بعض الأشخاص، متذمرون، ساخطون، مستاؤون، منقبضون وليس لهذا الإحساس ما يبرره مادياً أو وصفياً، بقدر ما ينتج مثل هذا الإحساس عن «أنا» ضائعة في خضم البحث عن دور وظيفي أو اجتماعي، أو أيديولوجي، الأمر الذي جعل من هؤلاء الأشخاص يصطفون أدواراً مثالية جداً ينتخبونها لأنفسهم بدواعي القبض على تلك الأنا الهاربة من عدالة المنطق، وحقيقة إمكانيات الأشخاص أنفسهم.
أشخاص يتجولون في مناحي الفكر والحياة يتخبطون يتبنون أفكاراً ضخمة بضخامة «الأنا» بالغة السعة، يتبرمون من هذا الوضع، وينفرون من ذاك، يشتمون هذا الشخص ويسبون ذاك، ولا يجدون حلولاً منطقية دائماً ما يمتلكونه هي النظرة التشاؤمية لكل شيء، حيث الأنا المنغلقة سدت النوافذ وأغلقت الأبواب، واكتفت بالظلام الدامس، تحتسي منه ما يفيض عن حاجتها ويجعلها، كومة رماد متراكم على صدر مثل هؤلاء الأشخاص.
وفي حومة البحث عن دور يجدون هؤلاء الأشخاص أنفسهم أمام تيّار جارف من الإحساس بالدوّار والغثيان وعمى البصر والبصيرة، والغوص في أعماق العتمة بحثاً عن لحظة فرح أو حزمة ضوء فلا يجدونها، فتعود بهم الدورة إلى حيث بدأوا، فيبدأون في التفتيش عن دور آخر ومن يشعر بالدوّار لا يستطيع حفظ توازنه، وبالتالي، فإنهم ينغمسون مرَّة وأخرى في حالة التذمر ذاتها ساخطين غير عابئين بما تؤول إليه سلوكياتهم وقد يقعون في أخطاء شنيعة، قد تقذف بهم الأنا المتذمرة ففي قمامات ومزابل مريعة قدد يرتكبون جرائم فظيعة في حق أنفسهم وحق الآخرين، لأن الأنا المهزومة بالكبرياء المزيف، تذهب بهؤلاء الأشخاص إلى متاهات وضياع لا أهداف فيها ولا مرامي، غير الانتقاص من الآخر أو من وضع آخر لإثبات أنهم الأفضل، وهـذا ما لا يمكن تحقيقه. يقول البرت أينشتاين إن الأنا الضائعة هي ضحية خدعة اللاوعي، وانعدام الرؤية أمام الأشخاص.
وكم تعاني المجتمعات من أشخاص «الأنا» لديهم، ذهبت مذهب الجنون في ذروته القصوى، ما جعلهم يفكرون بعواطف الماضي الزائل، أو المستقبل غير الملموس، وبالتالي يعيثون فساداً ويرمون أنفسهم في التهلكة كما يهلكون زرع مجتمعاتهم وضرعها، وبالتالي لا يأكلون إلا من خشاش الأرض.