استهل الكاتبان روري جونز ونيكولاس باراسي، مقالهما المنشور في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، بأن المنافسة المكثفة على الأموال والمواهب الأجنبية في الشرق الأوسط أدت إلى إعادة تشكيل شهر رمضان المبارك في دبي، إذ تمر الآن تقريبًا هذه الفترة الدينية التي يحظر فيها تناول الطعام والشراب مثل أي فترة أخرى بالنسبة للوافدين.
وتعد هذه التغييرات من بين أكثر الطرق وضوحًا التي جعلت جيران المملكة العربية السعودية يخففون الحدود المالية والثقافية؛ خوفًا من فقدان مشاريع ضخمة، بينما تحاول المملكة إعادة صياغة نفسها مركزًا ماليًّا وسياحيًّا. في الوقت الذي تطرح فيه السعودية إصلاحات اجتماعية واقتصادية، زادت دبي هذا العام بشكل كبير من تراخيص المشروبات الكحولية في الحانات والمطاعم خلال شهر رمضان، الذي تغلق المحلات التجارية أبوابها في وضح نهاره في معظم أنحاء الشرق الأوسط.
كما أن لدى الدول المجاورة للسعودية قواعد مريحة للمستثمرين الدوليين لتعزيز النمو الاقتصادي، فقد خففت قطر من متطلبات الإقامة الأجنبية، ووافقت الكويت والبحرين في العام الماضي على قانون يسمح بملكية أجنبية بنسبة 100% لبعض الشركات.
في الماضي افتُتِح عدد قليل من المقاهي والمطاعم في وضح النهار خلال شهر رمضان في دبي، أما الآن لم يعد للسائحين والمغتربين الحاجة إلى الانتظار حتى غروب الشمس للحصول على مشروب كحولي في حانة أو مطعم، تتنافس العديد من المطاعم والحانات –إذ يوجد أكثر من 80% من السكان المولودين في الخارج– على العملاء غير المسلمين الذين يتعاملون مع عروض الطعام والكحول والترفيه.
أقامت إحدى أشهر الحانات في دبي حفلة على الشاطئ، للاحتفال بالزفاف الملكي في بريطانيا الشهر الماضي، إذ بث الحفل على شاشات التلفزيون العملاقة، وكان بعض المشاركين العراة يشربون الكحول في بركة السباحة، وهو مشهد لم يكن من الممكن تصوره في السابق خلال شهر رمضان المقدس.
ومن وجهة نظر الكاتبين إنه تحول كبير بالنسبة لدبي، والقواعد الجديدة تعزل المدينة، ويذكر الكاتبان أن المملكة العربية السعودية والكويت على حد سواء تحظرا بيع الكحول في أي وقت من السنة، وتسمح قطر بالخمور ولكن ليس خلال شهر رمضان، وأيضًا عُمان تسمح بذلك فقط بعد غروب الشمس خلال الشهر المبارك، وتقول سلطات دبي -بحسب التقرير- إذا لم يتم التخفيف من القواعد والقوانين الصارمة في رمضان، فإنها ستخسر دولارات السياحة والمواهب الأجنبية.
في مايو ، مددت الإمارات الوقت الذي يستطيع فيه بعض المهنيين الأجانب العمل في البلاد مدة 10 سنوات، وقيل إنها ستسمح لبعض الشركات الأجنبية بامتلاك الإدراة بشكل كامل، كما تنازلت الحكومة عن غرامات الشركات التي لم تجدد تراخيصها في الوقت المحدد.
ويرى الكاتبان أن التغييرات الأكثر وضوحًا تدور حول رمضان، وتمتد التغييرات إلى دور السينما في دبي، والتي تسمح الآن بالفشار خلال ساعات النهار في رمضان، كما سمحت هيئة الرقابة الإماراتية لدور السينما في رمضان بعرض فيلم «Deadpool 2» بنسخته الأصلية وغير المنقحة من المشاهد العنيفة والجنسية، ويصنّف الفيلم في الولايات المتحدة ضمن فئة أفلام البالغين، بسبب ما يحتويه من ألفاظ ومشاهد جنسية ولغة بذيئة.
قال جوناثان دافيدسون، مؤسس شركة «ديفيدسون أند كو»، وهي شركة محاماة في دبي: إن التغييرات في التأشيرات والملكية الأجنبية والقواعد الرمضانية ستجذب المزيد من العمال والشركات الأجنبية إلى دبي وأبوظبي، ويضيف: «إنه تطور طبيعي، تريد دبي وأبوظبي أن تجعل المنطقة ملائمة أكثر لراحة الناس مع أساليب مختلفة لأنماط الحياة، بدلًا من الانغماس في العمل مدة سنة أو سنتين»، بحسب ترجمة "ساسة بوست".
ويكمل الكاتبان بأنها مسألة بقاء، فالمملكة العربية السعودية تخطط لإقامة حدائق ترفيهية، وفتح دور سينما، ورفع الحظر عن قيادة المرأة هذا الشهر، كما أنها تبني منطقة مالية في الرياض للتنافس مع مركز دبي المصرفي.
وقال جيسون تواي، محلل شؤون الشرق الأوسط في كابيتال إيكونوميكس بلندن: «بينما يبدو أن السعودية تتحرك نحو الإصلاح الاجتماعي، تؤمن دبي أنها بحاجة إلى الحفاظ على ميزة الحركة الأولى التي كانت تمتلكها دائمًا بوصفها مكانًا أكثر ليبرالية».
القواعد الجديدة تأتي في الوقت الذي يكافح فيه الخليج العربي الخمول الاقتصادي، ينكمش قطاع العقارات في الإمارات العربية المتحدة، مما أثار ذكريات انهيار ملكية العقارات التي كادت أن تفلس دبي في عام 2009، وتتصارع قطر مع المقاطعة الاقتصادية التي يفرضها جيرانها بسبب مزاعم دعم التطرف في المنطقة، وهو ما نفته قطر، بينما لا يزال اقتصاد المملكة العربية السعودية يتأرجح مع انهيار أسعار النفط عام 2014، في حين أن المستهلكين هناك يشترون بنسب قليلة بسبب الضرائب الجديدة، وتخفيضات دعم الوقود.
ويستشهد الكاتبان بأن الاستثمار الأجنبي المباشر في دول الخليج انخفض منذ أكثر من عقد من الزمان، بحسب ما أظهرته أرقام الأمم المتحدة، وواجه صعوبات في الانتعاش، وفي المملكة العربية السعودية، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أدنى مستوى له منذ 14 عامًا عند 1.4 مليار دولار في 2017 من متوسط 18.2 مليار دولار في السنوات من 2005 إلى 2007، وتأكد الأمم المتحدة كلامها من خلال قرارات الشركات الأجنبية لبيع الممتلكات السعودية، وأيضًا الاقتصاد الذي ما زال خاضعًا لانهيار أسعار النفط في عام 2014.
لقد أدّت التغييرات الرمضانية إلى إثارة غضب بعض المسلمين المحليين، فالإعلانات الأخيرة التي تظهر ملابس الفتيات الداخلية على «سوق.كوم»، وهي الشركة التابعة لموقع «أمازون»، قد أثارت شكاوى العملاء حول توقيت تلك الإعلانات خلال شهر رمضان، وتمت إزالة الإعلانات منذ ذلك الحين، لكن رفض المتحدث باسم أمازون التعليق على الحادثة.
وبخت وسائل الإعلام الإماراتية مطعم «دبي باربيري ديلي» و«كوكتيل كلوب» للإعلان عن «وجبة فطور وغداء» بقيمة 80 دولارًا في شهر رمضان، مع تقديم الكحوليات ولحم الخنزير، وهو لحم محظور في الإسلام، وقال موقع «لوف إن دبي» الذي يهتم بأخبار دبي إن إساءة استخدام قواعد الشهر الفضيل أظهرت تدني المستوى العام، وعدم وجود احترام للفئات الأخرى.
ووصف مالك المطعم، جوي غزال وهو كندي عمل في العديد من المطاعم في دبي، الإعلان بأنه «خطأ من قسم العلاقات العامة» واعتذر عن هذا وأضاف غزال: «دبي جيدة جدًا بالنسبة لنا»، ورفضت حكومة الإمارات التعليق على الحادثة، ولكن في الماضي قالت الحكومة إن معظم المطاعم والفنادق تحترم الحساسيات الثقافية في المنطقة.
ويختتم الكاتبان مقالهما برواية عاملة ضيافة تشرب الكثير من البيرة في حانة بدبي خلال شهر رمضان، وتشرب الآن وتدخن السجائر كما يحلو لها، وهو ما كان محظورًا في رمضان من قبل، وتقول: بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون هنا، فإنه يُحدث فرقًا كبيرًا».