يشبه خروج بريطانيا «Brexit» من الاتحاد الأوروبي 2016 خروجها من الخليج العربي 1971. هذا ما تبادر لي جراء مساحات الفراغ الكثيرة في صورة الانسحاب الحالي، ففي الانسحاب الأول تقرر سحب جميع القوات البريطانية من شرق السويس، فتحقق كلياً بنهاية عام 1971، وفي حينه بادرت إمارات الخليج قبل الانسحاب بمناشدة بريطانيا التريث نظير تحملها تكاليف البقاء، ويشبه ذلك موقف القلق المتكرر الذي أظهرته النمسا بمناشداتها القوية لبريطانيا لتظل في الاتحاد الأوروبي، ورغم أن الانعكاسات العملية لن تشمل احتلال روسيا لأجزاء من أوروبا كما احتلت إيران الجزر العربية، إلا أن هناك محاذير أمنية من هذا الانسحاب، سنتجاوز ما يخص أوروبا منها، ونركز على ما يخص دول الخليج من تبعاته الإيجابية والسلبية.
-من إيجابيات الخروج البريطاني لنا في الخليج توفر مزيد من حرية الحركة للندن، فتخلصها من غطرسة فرنسا وأنانية ألمانيا المحركين التاريخيين للاتحاد الأوروبي، يعني القدرة على التخلي عن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وبيعنا سلاحا بدون قيود ظاهرها أخلاقي لدول لها مآرب أخرى. كما أن الخروج يعني نهاية الحديث عن جيش أوروبي يثير قلقا كبيرا لتجاوزه مرحلة التكامل عن بعد كما هو في الناتو.
-أما سلبيات الخروج البريطاني فيعني تبني أوروبا سياسية تهدئة إزاء موسكو التي ستعيث فسادا في سوريا، جراء التغييرات البنيوية بدون بريطانيا العظمى، وهي القوة المسلحة نوويا الداعمة للإرادة الجماعية لأوروبا، كما يعني فقداننا للمعلومات الاستخبارية من خلال ما يسمى بترتيبات «الأعين الخمسة». ويعني أن باقي الشركاء يستطيعون تبني مواقف فردية أنانية غامضة أو طرق سهلة بشأن عقوبات روسيا أو برنامج إيران النووي. والأهم التقاء المتطرف ترامب مع نظيره البريطاني القادم، فيما يشبه تعاون ريغان وتاتشر ومواقفهما من العرب في ليبيا ولبنان. ويعني تراجع قيمة الجنيه، وانكماش تتبعه بطالة في المجمع الصناعي العسكري الذي قد تجبربعض دول الخليج على دعمه عبر صفقات سلاح لا جدوى منها.

بالعجمي الفصيح
إن خروج بريطانيا من الاتحاد هو تأصيل للنزعة البراغماتية البريطانية، ويشبه الخروج من شرق السويس، ويجب أن يؤسس وعي الخليجيين بنفسهم بالنسبة لبريطانيا. كما أن العلاقات الدولية الحالية تمر بمرحلة تغير في القوى Power shifting، وهو أمر تم تنفيذه في عالمنا العربي قسرا عبر الفوضى الخلاقة، جعلته الظروف الدولية عليهم سلما، فما يجري هناك هو الفوضى الخلاقة بالنسخة الأوروبية المغلفة بالديمقراطية لأن «لكل شارب مقص».;