نشر مركز الخليج العربي تقريرا معلوماتيا حول ما تضمنته وثائق ويكيليكس السعودية والأمريكية عن دور الإمارات السياسي والأمني في المنطقة في أعقاب الربيع العربي، حيث انخرطت الدولة في مشروعات إقليمية ضد الثورات العربية وفق ما تؤكده الوثائق المسربة. واشتمل التقرير على مقدمة وجزئين وثلاثة محاور.
شدد التقرير على وصف محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي بأنه "الحاكم الفعلي للبلاد"، مؤكدا "عدائه للتيارات الإسلامية". واستند التقرير في استنتاجه هذا إلى مجموعة من المعطيات التي اتخذها محمد بن زايد في دعم الحرب الفرنسية على إسلاميي مالي، و دعمها للثورات المضادة في مصر وتونس وليبيا. ووصف التقرير توجهات الدولة بعد وفاة الشيخ زايد بن سلطان بأنه ليبرالي علماني يقف ضد الوجود الإسلامي المعتدل في الدولة والخليج والمنطقة العربية برمتها.
الإمارات و السعودية.. خلاف مزمن وتوافق عابر
يرى مراقبون أن العلاقات بين أبوظبي والرياض اتسمت بصفة عامة بالاختلاف والمنافسة كقاعدة لهذه العلاقات، في حين أن الاستثناء كان التوافق العابر في دعم الانقلاب المصري. ويقول التقرير إن ويكيليكس الأمريكية، كشفت عن "تحريض" محمد بن زايد ضد القيادة السعودية واتهامها بالمسؤولية عن التشدد والتطرف الناتج عن تبنيها الخط السلفي، إضافة إلى وصف القيادة السعودية بالجهل والتخلف. وكشفت وثيقة بتاريخ (25|6|2008) أن وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد قال عن الراحل عبد الله بن عبد العزيز رغم مسايرته للإمارات في السنوات الأخيرة وخاصة بدعم الانقلاب المصري،" على الرغم من نوايا الملك عبد الله الصادقة في محاربة الإسلام المتطرف إلا أن رجلا في 86 لا يكمن أن يكون راعيا للتغيير"، وأردف،" النظام السعودي لا يسمح إلا للفاسدين والمتحالفين مع رجال الدين بالوصول إلى القمة".
وأوردت وثيقة أخرى تعود لعام 2003، أن محمد بن زايد قال لمسؤولين أمريكيين،" 90% من الشعب السعودي ينتظر الأمريكيين بعد انتهائهم من العراق لتغيير آل سعود". كما أوضحت الوثيقة طلب محمد بن زايد عدم "تكرار الخطأ بالسماح لصحفيي الجزيرة بتغطية انتهاكات الجيش الأمريكي بالعراق حتى لا يثير غضب الشعوب العربية على الاحتلال الأمريكي".
وأكثر من ذلك، فقد أفحصت الوثيقة أن محمد بن زايد طلب من الأمريكيين قصف قناة الجزيرة أثناء الحرب على أفغانستان. وكانت المفاجأة وفق الوثيقة، أن الشيخ زايد لم يستنكر طلب نجله، وذلك في رده على أمير قطر السابق الشيخ حمد عندما راجعه في الأمر.
الإمارات في وثائق ويكيليكس السعودية
الملف الإيراني
أظهرت الوثائق السعودية أن الإمارات لا تشاطرها نفس الرؤية والتصور بخصوص العلاقات مع إيران والتهديد الذي تمثله على دول الخليج. وأظهرت وثيقة أن العلاقات بين أبوظبي وطهران "ودودة وهادئة" إضافة إلى رصد السفارة السعودية في الإمارات لزيارة سرية لعبد الله بن زايد لإيران، إلى جانب زيارات دورية لسفير إيران في أبوظبي لمحمد بن زايد وسيف بن زايد وزير الداخلية.
الملف السوري
وعلى صعيد الملف السوري، فقد أكدت الوثائق أن الإمارات "تغرد خارج السياق الخليجي والعربي المعلن إزاء النظام السوري" حيث تعلن الدولة في العلن أنها تقف ضد نظام الأسد ولكن في الخفاء لها موقف آخر.
وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل أرسل إلى رئيس الديوان الملكي "خالد التويجري" في مارس 2013 برقية يعرب له فيها عن شكوكه في الموقف الإماراتي من الأزمة السورية، وأنها تتفاوض مع إيران حتى لا تؤيد التدخل العسكري المحتمل ضد نظام دمشق مقابل التساهل في مسألة الجزر الإماراتية التي تحتلها إيران منذ نحو 5 عقود. وأشارت الوثيقة أن الإمارات تساعد إيران على التحايل على العقوبات الدولية عن طريق إرسال نحو 73 مليار دولار سنويا من أموال النفط الإيراني إلى روسيا.
الملف المصري
وثائق ويكيليكس السعودية لا تحمل جديدا عما هو معروف عن دعم الإمارات للانقلاب المصري ضد الرئيس محمد مرسي وضد الثورة المصرية بصفة عامة، ودعم "حركة تمرد" التي أنشأتها المخابرات المصرية لتكون غطاء "مدنيا" لانقلاب السيسي. كما أشارت وثيقة أن الدولة ضغطت على المجلس العسكري لوقف محاكمة مبارك، كما أظهرت الوثائق دعم وتفضيل الإمارات لأحمد شفيق. ووثقت الوثائق السعودية السجال الإعلامي بين الشيخ يوسف القرضاوي ومحمود غزلان الناطق باسم الإخوان في ردهم على ترحيل سوريين، وانتقاد ضاحي خلفان للرئيس محمد مرسي.
وتوقعت السعودية أن استمرار الخلاف السابق بين الإمارات والإخوان في مصر قد يؤدي إلى مواجهة بينهما.
وأوردت أحدى الوثائق تخوف أبوظبي من وصول "قطار الثورة إليها وأنها تخشى الديمقراطية" وفق ما نقلته وثيقة عن القيادي الإخواني عصام العريان، الذي يحاكم غيابيا في محكمة أمن الدولة جراء هذه التصريحات.
وتشير الوثائق إلى أن جماعة الإخوان ألغت زيارة لخيرت الشاطر نائب المرشد العام لإخوان مصر كانت مقررة لمصر وذلك احتجاجا على تصريحات خلفان ضد الرئيس مرسي.
واستطردت الوثائق في تسجيل السجال الإعلامي والقانوني طوال فترة حكم الرئيس مرسي، بدون معلومات أو تقديرات خاصة. بل إن الوثائق السعودية لم ترصد إلا ما كانت تقوله وسائل الإعلام دون الاستناد إلى معلومات من مصادر خاصة. وكان من بين ما وثقته وثائق الرياض، اتهام مصادر أمنية في القاهرة لشخصية إماراتية كبيرة بتمويل عمليات التخريب والتدمير في مصر على هامش الاحتفال المصريين بمرور عامين على ثورة يناير 2011.
الملف السعودي
تركزت الوثائق السعودية حول علاقاتها مع أبوظبي حول النزاع الحدودي بين أبوظبي والرياض. وكشفت الوثائق استعانة السعودية بمكتب قانوني أمريكي لمتابعة ملف الحدود. وتشير إحدى الوثائق لضرورة منع التحاق الإمارات لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، كون انضمام الدولة للاتفاقية يسمح لها برفع دعوى قضائية ضد السعودية في المسألة الحدودية.
وتبدي الوثيقة استغرابها من عدم انضمام الإمارات للاتفاقية التي تضعف الموقف السعودي تماما في مسألة النزاع الحدودي البحري.
كما أظهرت وثيقة أن الإمارات حظرت السعودية من أن تتظيم القاعدة يعتزم استهداف السفارة السعودية في صنعاء بعملية إرهابية.
الشأن الداخلي الإماراتي
كشفت وثيقة اهتمام الاستخبارات السعودية بزيارة محمد بن زايد للإمارات الشمالية. وقالت الوثيقة أن محمد بن زايد زار حاكم الشارقة بمكتبه وتباحثا حول المشاريع المتعثرة بالشارقة وتقديم أبوظبي مساعدات مالية لمواطني إمارة الشارقة.
وأشارت وثائق أن الحكومة طلبت من إعلاميين محسوبين عليها لتكذيب تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش حول أوضاع العمال في جزيرة السعديات. وأكدت الوثيقة أن الإمارات قامت باعتقال عشرات الناشطين وسحبت جنسيات بعضهم "بحجة انتقاد رئيس الدولة ونائبه وشيوخ أبوظبي ودبي واتهامهم بالفساد"، وقالت الوثيقة "الإمارات إفرجت عنهم تحت ضغط منظمات حقوق الإنسان. ( يشار أن الوثيقة لم تكن دقيقة في مسألة الإفراج عن المعتقلين من جهة، وغير دقيقة في أسباب اعتقالهم. فكما هو معروف فقد تم اعتقالهم بعد توقيع عريضة تطالب بإصلاح المجلس الوطني الاتحادي، ووجهت لهم الينابة تهمة سياسية وفق توصيف منظمات حقوق الإنسان وهي تشكيل تنظيم سري للعمل ضد نظام الإمارات).
وأثارت الوثائق أمرا خطيرا يتعلق بتلقي مواطنين إماراتيين وقطريين وسعوديين وبحرينيين وباكستانيين دورة "برنامج قيادي دولي" في السفارة الإسرائيلية في واشنطن.
الإخوان بالإمارات
دعوة الإصلاح تعتبر أهم قضية وطنية وسياسية في تاريخ دولة الإمارات. الوثائق السعودية أظهرت اهتماما بهذه المسألة. فقد أشارت بعض الوثائق إلى اعتقال الشيخ سلطان بن كايد القاسمي وآخرين تم سحب جنسياتهم، إضافة للإشارة إلى السجال الإعلامي بين ضاحي خلفان ويوسف القرضاوي الذي ندد بترحيل الإمارات سوريين تظاهروا ضد نظام الأسد في دبي.
استنتاجات التقرير
قال التقرير في ملاحظاته على الوثائق أنها "وثائق خبرية" لا تتمع بطابع سري أو خاص، كما لا تقدم صورة عن رؤية السعودية لعلاقتها بالإمارات. كما تبين دور مهم يلعبه رئيس الديوان الملكي السعودي على حساب وزارة الخارجية في رسم السياسة السعودية الخارجية. إضافة إلى ذلك، فإن التوافق العابر والمرحلي بين أبوظبي والرياض حول نظام السيسي لم يتطور إلى تحالف استراتيجي.
وتوضح الوثائق العداء التقليدي بين محمد بن زايد والقيادة السعودية، إلى جانب لعب السفارات السعودية دورا استخباريا وليس دبلوماسيا فقط.