التفاوض مع إسرائيل ليس مكسبا من أي نوع كان، غير أن تفاوض حماس مع الاحتلال من خلال الوسطاء بما يعرف بالتفاوض غير المباشر استنزف كثيرا من الأوقات والجهود التي عطلت أو أخرت إنجازات للمقاومة كان يمكن تحقيقها بصورة أسرع في جولات التفاوض بملف الأسير شاليط استمرت خمس سنوات، والتفاوض بالحرب الأخيرة من خلال المخابرات المصرية وبمشاركة وفد من حركة فتح أدى إلى استمرار الحرب نحو شهرين لفشل وسطاء التفاوض.
إذ لاحظت المقاومة وشعبها أن جزءا كبيرا من الويلات التي طالتها، والويلات التي يمكن تجنبها ترتبت بسبب "برودة الوسطاء" الذين لم يكن لهم في كثير من الأحيان مصلحة لتنجز المقاومة شيئا، وكانت وسائل الإعلام العبرية تردد أن المفاوض الإسرائيلي يوافق على عدد من القضايا غير أن قائد الانقلاب في مصر ومحمود عباس كانا يعارضان موافقة إسرائيل حتى لا تسجل المقاومة أية إنجازات.
حماس أدركت وبعد أن كانت تعتبر التفاوض مع إسرائيل من المحرمات دون مبرر شرعي أو سياسي أن التفاوض المباشر مع العدو يحقق مصالح الشعب الفلسطيني ويمنع عبث الوسطاء، وفوق ذلك يسحب من الوسطاء وخاصة في مصر ورام الله الورقة التي دائما كانوا يبتزون بها المقاومة. وفي حال انطلاق مفاوضات مباشرة بين حماس وإسرائيل فإن آخر ورقة بيد مصر في عهد السيسي قد انتزعت منه لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته.
فقد فاجأ موسى أبو مرزوق النائب الثاني لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في برنامج حواري على قناة القدس مساء (10|9) المشاهدين عندما أجاب على تساؤل المحاور، عندما سأله عن التفاوض مع إسرائيل، فأجاب:" من الناحية الشرعية لا غبار على مفاوضة الاحتلال , كما نفاوض بالسلاح نفاوض بالكلام".
وأضاف :"أعتقد أنه إذا بقي الحال على ما هو عليه في الوضع الحالي قد تجد حركة حماس -وأقول ذلك بصراحة- مضطرة إلى هذا التفاوض فهذا أصبح مطلب شعبي في كل قطاع غزة".
وأشار أبو مرزوق في ذات اللقاء :"تصبح الحقوق البديهية لأبناء قطاع غزة وقعها ثقيل على اخواننا في السلطة والحكومة الى هذه الدرجة تصبح الكثير من القضايا مطروحة"، ملوحا بسحب هذه الورقة التي تضغط فيها السلطة على حماس.
وأوضح ابو مرزوق :"سياستنا في حركة حماس ألا نفاوض الاحتلال لكن على الآخرين أن يدركوا أن هذه المسألة ليست محرمة" .
ويبدو أن المقاومة أدركت أنها تستطيع أن تقدم نهجا من التفاوض الناجح الذي يستطيع الضغط على إسرائيل وتحقيق الإنجازات أكثر من أي تجربة مفاوضات أخرى، فكما انتصرت المقاومة في الميدان فإنها قادرة على ترجمة انتصاراتها إلى إنجازات سياسية خير من أن تتركها لمفاوضين لا يؤمنون بالمقاومة بل ويتآمرون عليها.
ومن المتوقع أن تحدث هذه المفاجأة وقع الصدمة على السيسي وعباس والتعريض بحماس وشن خملة تشويه تتهمهما بأنها تمارس ما كانت تعتبره محرما على السلطة، في حين أن المشكلة لم تكن يوما على مبدأ التفاوض وإنما على قدرة المفاوضات والمفاوضين على تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني.