أحدث الأخبار
  • 01:26 . "التوطين": أكثر من 12 ألف بلاغ عمالي سري خلال تسعة أشهر... المزيد
  • 08:05 . حلف قبائل حضرموت يحمّل أبوظبي "المسؤولية الكاملة" عن التصعيد واجتياح المحافظة... المزيد
  • 08:05 . بعد مقتل أبو شباب.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بالاحتلال لتسليم أنفسهم... المزيد
  • 12:46 . سائح بريطاني يعبّر عن دهشته من تزايد أعداد الإسرائيليين في دبي (فيديو)... المزيد
  • 12:45 . إيران تردّ على بيان قمة مجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الإمارتية الثلاث... المزيد
  • 12:43 . السودان: 15 قتيلاً في هجمات للجيش و"الدعم السريع" في كردفان... المزيد
  • 11:07 . "الإمارات الصحية" تطوّر خدمات فحص اللياقة الطبية لتأشيرات الإقامة... المزيد
  • 11:06 . جيش الاحتلال يشن قصفاً مدفعياً على مناطق شرقي غزة وخان يونس... المزيد
  • 09:36 . قناة بريطانية تدفع تعويضات كبيرة نتيجة بثها ادعاءً كاذبا لـ"أمجد طه" حول منظمة الإغاثة الإسلامية... المزيد
  • 06:39 . معركة النفوذ في حضرموت.. سباق محتدم بين أبوظبي والرياض... المزيد
  • 06:22 . روائية أمريكية بارزة تقاطع "مهرجان طيران الإمارات للآداب" بسبب الحرب في السودان... المزيد
  • 05:07 . جيش الاحتلال يعلن مقتل زعيم المليشيات في غزة "ياسر أبو شباب" على يد مجهولين... المزيد
  • 11:35 . "المعاشات" تصفّر 8 خدمات رئيسية ضمن مبادرة تقليل البيروقراطية الحكومية... المزيد
  • 11:31 . "الأبيض" يخسر أمام الأردن 1–2 في افتتاح مشواره بكأس العرب... المزيد
  • 11:30 . سلطنة عُمان تنجح في إعادة طاقم سفينة "إتيرنيتي سي" من اليمن... المزيد
  • 10:12 . الإمارات تعلن تخصيص 15 مليون دولار للاستجابة للأزمة في السودان... المزيد

حملات تدنيس التاريخ العربي

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 02-02-2018

مثلما حدث لحقل الفقه الإسلامي الذي أقحم كل من هب ودب نفسه في التحدث باسمه، من خلال نشر ادعاءات دينية خاطئة، وبلادات تخالف العقل والمنطق والقيم، واستعمالات دنيوية انتهازية، لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية، فكذلك يحدث الآن الأمر نفسه بالنسبة لحقل التاريخ العربي.
فجأة بدأنا نرى أعدادا متزايدة من المهرجين واليائسين من الحاضر والمستقبل يتنطعون للحكم على التاريخ العربي بتعابير من الشماتة والسب والشتم، أو بانتقاء متعمد لأحداث صغيرة محدودة واعتبارها ظواهر عامة تعيب هذه الأمة، أو بترديد ببغائي لما قاله هذا المستشرق، أو ذاك الملفق الصهيوني النزعة والأهداف.
الهدف الأساسي من هذه الحملة واضح، وهو زرع الشكوك والخجل من تاريخ الأمة، في أذهان الشباب العرب من جهة، والعمل على تهميش وتشويه أحد أهم مكونات الهوية العروبية القومية المتمثل في التاريخ العربي المشترك. تزوير التاريخ وتشويه معاني أحداثه هو ظاهرة عالمية عرفتها الكثير من المجتمعات لأسباب كثيرة، لكن ما يحدث عندنا، في بلاد العرب، هو محاولة خبيثة لاستغلال موضوع التاريخ، ونقد بعض أحداثه لتجاوزها، واستغلاله كأداة سياسية وثقافية وطائفية للإمعان في تمزيق هذه الأمة، والقضاء على كل ثابت من ثوابت هويتها المشتركة، حتى يعيش كل جزء من هذه الأمة في عالمه الخاص ومشاكله الذاتية البحتة. عند ذلك سيسهل لقوى الاستعمار والصهيونية الاستفراد بكل جزء على حدة، لإخضاعه واستعباده ونهب ثرواته. ولذلك فإن الطريقة التي يتعامل بها البعض مع التاريخ العربي، عبر الكتابات والمقابلات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، مليئة بالأخطاء والأهداف المشبوهة القابعة وراء أقنعة خادعة، وتحتاج هي الأخرى لفضح مراميها ومنهجيتها غير العلمية وغير الموضوعية.
أولا: يركز الكثيرون من هؤلاء على التاريخ السياسي، ويتعمدون سلخه من التواريخ الأخرى العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعمرانية والفكرية والأدبية، بل حتى العلمية. إنهم بهذا يتجنبون دراسة التاريخ الحضاري العربي الملم بكل الجوانب الحياتية. إن التاريخ السياسي حقل مليء بالأخطاء والخطايا ويتميز بفترات استبداد حالكة السواد والقسوة. لكن الحكم على شخصية الأمة الطبيعية ومزاجها الحياتي وسلوكياتها وإمكانياتها الحضارية الإنسانية، من خلال تاريخها السياسي وحده، فيه ظلم كبير واختزال غير موضوعي. فالسياسة مهمة للغاية ولكن الحياة البشرية لا يمكن أن تختصر فيها.
ثانيا: إن إصرار البعض على اعتبار كل مصادر التاريخ العربية القديمة صالحة للحكم على التاريخ العربي، وعلى الأخص السياسي منه، فيه اعتباطية. فالقاصي والداني يعرف أن بعض تلك المصادر أثرت في كتابتها المصالح والأهواء والتعصبات المذهبية والتفاخرات القبلية. كما أن منهجيات كتابتها تباينت في انضباطها العلمي، وفي موازين فحصها للأمور، خصوصا أن جزءا مهما كان عبارة عن تداولات شفوية تعتمد على أسانيد تعتريها الكثير من التساؤلات.
من هنا فإن وصفا لحدث، أو قولا عزي لهذا الفاعل في الحياة العامة، أو ذاك قد يكون لغو مجالس أو دردشة عابرة أو تخيلا مريضا. فهل حقا يمكن الحكم على أمة من خلال أوصاف أو أقوال عابرة هنا وهناك؟ لكن هذا ما يفعله البعض، إذ يهيجون ويشككون ويسخرون ويستنتجون اعتمادا على تلك الشذرات من سرد الأخبار والأقوال. لقد تعبنا، نحن العرب، من ادعاءات وكتابات المستشرقين، التي قرأت تاريخنا لتنشر في ما بيننا وفي العالم بأننا أمة قابلة للتخلف والكسل، وقبول الاستبداد والعيش في فوضى دائمة وصراعات لا تهدأ. ولقد اختلطت كتاباتهم وتفاسيرهم بأغراض وإملاءات استعمارية، من أجل تأكيد مقولة مركزية التاريخ الحضاري في الغرب دون غيره. كما فنَد الكثيرون من المؤرخين والمفكرين العرب تلك المقولات. لكن ما يهمنا ليس استرجاع تاريخ ذلك الافتراء، وإنما الإشارة إلى أنه يعود بقوة في أيامنا الحالية على يد كل يائس أو غاضب أو أحمق من أبناء الأمة العربية نفسها. وهي ظاهرة تتلقفها الدوائر الاستخباراتية الاستعمارية والصهيونية، لتلعب بآثارها السلبية على وعي الجيل الجديد، لتحقيق مآربها التجزيئية ومحاربتها لكل فكر يسعى لتوحيد وإنهاض هذه الأمة.
نحن هنا بالطبع لا نشير إلى محاولات المؤرخين الاختصاصيين، وكتابات الملتزمين الغيورين على مسار أمتهم النهضوي، للقيام بتحليل الماضي ونقده وإعادة تركيبه، من أجل منع هيمنته على الحاضر من جهة، ومن أجل الاستفادة من نقاط إنجازاته وتألقاته في شتى المجالات لبناء المستقبل من جهة أخرى. نلاحظ على الأخص محاولات البعض لهدم أو تشويه ما تعتبر الشخصيات الأمثولة التاريخية، التي نالت مراتب الاحترام والإعجاب والاعتزاز في الوجدان الشعبي العربي عبر القرون. ويتركز هذا الهدم أو التشويه على التفتيش عن نواقص أو انحرافات في تصرفات أو سلوكيات هذه الشخصية التاريخية أو تلك. وهي نظرة طفولية لا تقبل أقل من الصفات الكاملة الملائكية في من تحب من الأبطال والشخصيات الأمثولة. وينسى هؤلاء المهووسون بالتفتيش عن النواقص، مع تعمد لتناسي الجوانب المشرقة المشرفة في تلك الشخصيات التاريخية، أن البشر ليسوا ملائكة، ولا أنبياء معصومين.
لنذكر هؤلاء المهووسون بأن جورج واشنطن الأمريكي وونستون تشرشل الانكليزي ونابليون الفرنسي هم أبطال في الذهن الجمعي عند تلك الأمم، وذلك على الرغم من نواقصهم الشخصية أو السلوكية المعروفة، لكن الأمم الواعية المعتزة بتاريخها تركز على البطولات والإنجازات والتألق الشخصي في أبطالها التاريخيين، بدلا من التركيز على نواقصهم البشرية. الهجمة المجنونة على تاريخنا ورموزنا العامة التاريخية ليست بريئة، إذ يختلط فيها الجهل والهلوسات عند البعض بالخطط الاستخباراتية الاستعمارية والصهيونية، لتصبح تدنيسا للتاريخ يحتاج لمواجهة.