أحدث الأخبار
  • 01:26 . "التوطين": أكثر من 12 ألف بلاغ عمالي سري خلال تسعة أشهر... المزيد
  • 08:05 . حلف قبائل حضرموت يحمّل أبوظبي "المسؤولية الكاملة" عن التصعيد واجتياح المحافظة... المزيد
  • 08:05 . بعد مقتل أبو شباب.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بالاحتلال لتسليم أنفسهم... المزيد
  • 12:46 . سائح بريطاني يعبّر عن دهشته من تزايد أعداد الإسرائيليين في دبي (فيديو)... المزيد
  • 12:45 . إيران تردّ على بيان قمة مجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الإمارتية الثلاث... المزيد
  • 12:43 . السودان: 15 قتيلاً في هجمات للجيش و"الدعم السريع" في كردفان... المزيد
  • 11:07 . "الإمارات الصحية" تطوّر خدمات فحص اللياقة الطبية لتأشيرات الإقامة... المزيد
  • 11:06 . جيش الاحتلال يشن قصفاً مدفعياً على مناطق شرقي غزة وخان يونس... المزيد
  • 09:36 . قناة بريطانية تدفع تعويضات كبيرة نتيجة بثها ادعاءً كاذبا لـ"أمجد طه" حول منظمة الإغاثة الإسلامية... المزيد
  • 06:39 . معركة النفوذ في حضرموت.. سباق محتدم بين أبوظبي والرياض... المزيد
  • 06:22 . روائية أمريكية بارزة تقاطع "مهرجان طيران الإمارات للآداب" بسبب الحرب في السودان... المزيد
  • 05:07 . جيش الاحتلال يعلن مقتل زعيم المليشيات في غزة "ياسر أبو شباب" على يد مجهولين... المزيد
  • 11:35 . "المعاشات" تصفّر 8 خدمات رئيسية ضمن مبادرة تقليل البيروقراطية الحكومية... المزيد
  • 11:31 . "الأبيض" يخسر أمام الأردن 1–2 في افتتاح مشواره بكأس العرب... المزيد
  • 11:30 . سلطنة عُمان تنجح في إعادة طاقم سفينة "إتيرنيتي سي" من اليمن... المزيد
  • 10:12 . الإمارات تعلن تخصيص 15 مليون دولار للاستجابة للأزمة في السودان... المزيد

العدالة بدلاً من التراضي المؤقت

الكـاتب : علي محمد فخرو
تاريخ الخبر: 31-12-2015


في مجتمعاتنا العربية نتكلم كثيراً عن أهمية ونبل التراضي ما بين بعضنا بعضاً، ونحاول ممارسة التراضي من خلال تعابير نمطية فيها الكثير من النفاق الاجتماعي أو الكثير من مخدرات الضمير الذي بطبيعته لا يرضى الظلم ولا يستطيع التعايش معه.

فمثلاً، من التعبيرات النمطية ما يقوله أتباع المذاهب والطوائف الفقهية الإسلامية عن بعضهم بعضاً، من وجود أخوة دينية فيما بينهم مبنيّة على المحبّة والاحترام والتراحم، وبالتالي عدم القبول بأن يقع الضَّرر على أتباع أيّ مذهب بسبب التمييز أو التهميش أو التسلُّط. وللتدليل على وجود تلك الأخوة المتفاهمة المحبّة يتفاخرون بالتزاور في مناسبات الزواج والأعياد والوفيات، وبالتزاوج فيما بينهم، حتى ولو كانت النسبة لا تزيد على خمسة في المائة، وحتى لو كانت تجري وراء الكواليس والأبواب المغلقة كل أنواع التساؤلات والشروط والاعتراضات والتحذيرات.
الأمر نفسه ينطبق على أصحاب الديانات أو الأصول العرقية، أو الانتماءات القبلية والعشائرية المختلفة. هناك أيضاً تعابير نمطية وادّعاءات بوجود الأخوة والمحبّة وعدم القبول بالتمييز أو الاستعلاء أو الظلم.
تلك التعابير قد تكون صادقة عند البعض القليل من أصحاب الضمائر والأخلاق الإنسانية والاستنارة الاجتماعية، لكن قلب موضوعنا ليس في وجود أو عدم وجود تلك التعابير الأخوية وتبادل المجاملات والزيارات، بل وحتى انتشار وقبول التزاوج بنسب كبيرة.
كل ذلك حدث عبر تاريخنا بنسب مختلفة في كل أقطار الوطن العربي ومن دون استثناء. لكنه لم يمنع طغيان فئة على فئة من خلال سياسات الاستئثار بالمال والسلطة والجاه والامتيازات الظاهرة والخفيّة، وبالتالي لم يمنع تفجّر الصراعات الدينية والطائفية والقبلية، ووصول بعضها إلى حالات الحروب الأهلية.
الموضوع هو كيف الوصول إلى مجتمع فيه تعدُد ديني ومذهبي وعرقي ولغوي وثقافي، ولكنه مع ذلك مجتمع ينعم بالسلام الأهلي من دون حاجة لممارسة سياسات التراضي التي وصفنا، القائمة على النفاق والتعابير النمطية المخادعة، والكاذبة أحياناً، التي لا تمنع حدوث الصراعات والانفجارات وقيام النظام السياسي الفئوي المتسلّط. بمعنى آخر جعل التعدُد الديني والمذهبي والثقافي مصدر إغناء لحياة المجتمع ومصدر تفاعلات تدفع بالمجتمع إلى السمو والتحضر.
والجواب هو بترسيخ مفاهيم العدالة التي لا ترفض الظلم فقط، وإنما العدالة التي تمنع حدوث الظلم. ونحن هنا لا نتحدث عن وجود حاكم عادل في بيئة ظالمة وفاسدة وتمييزية، وإنما نتحدث عن وجود نظام عادل في مكوّناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية من خلال احتواء مفهوم العدالة على أجوبة محدّدة بشأن قضايا من مثل الحرية والمساواة وحقوق الإنسان وواجباته، والمواطنة وتوزيع الثروة وتبادل السلطة وشرعية القوانين وعلاقات السلطات الثلاث ببعضها بعضاً إلخ..
بالنسبة إلينا كعرب فإن هذا الطرح بهذا الشكل مهم للغاية، إذ إن تراثنا انشغل بمواضيع العدالة الإلهية، وبالتالي أصبح العدل مساوياً فقط لتطبيق الشريعة وعدم الخروج عن نصوصها، كما أنشغل بصفات الحاكم العادل، بينما أهملت الأسس النظرية للعدالة والتنظيمات الضرورية لتواجدها حتى تتواجد كممارسة في الحياة اليومية المجتمعية.
من هنا فإن علاج تلك الصراعات والمشاحنات التي وصفنا، إذا كان سيأتي عن طريق إرساء دعائم العدالة، فإنه يجب أن يستفيد من المناقشات الغنية العصرية حول العدالة، والتي تشترط على الأقل وجود المكونات والمضامين التالية:

✽المساواة في الحقوق والواجبات، بما فيها المساواة في الفرص والمساواة بين الرجل والمرأة، بصور نسبية بالطبع، ولكن مرتبطة أشد الترابط بمبادئ التكافل والتراحم والخير العام.

✽العدالة الاجتماعية التي تقوم على توزيع عادل للثروة ومنع وجود فوارق كبيرة بين الأغنياء والفقراء ومنع استغلال جهد الآخرين من قبل أي أقلية، ورفض التمييز في الفرص الحياتية.

✽علاقات سياسية واجتماعية قائمة على مبدأ المواطنة المتساوية، وشرعية القوانين وتساوي الجميع أمامها وإنفاذها من قبل قضاء نزيه، واستقلال وحيوية المجتمع المدني بعيداً عن أي هيمنة، واحترام لشتّى أنواع الحريات الفردية والجمعية في التعبير والتجمّع وغيرهما.

وجود مثل تلك العدالة، المقنّنة لتلك النقاط الأساسية، هو الكفيل بانتقالنا من ممارسات التراضي والمجاملات إلى ممارسة العيش المشترك بسلام وطمأنينة وأخوة حقيقية في المواطنة والإنسانية.

وهي عدالة منسجمة إلى أبعد الحدود ومكمّلة للعدالة الإلهية التي نادت بها جميع الشرائع السماوية، كيف لا وربّ العالمين هو العدل المطلق.