تساهم وسائل الإعلام الرسمية في الدولة بصورة غير مسبوقة في عملية تجييش المواطنين وحثهم على دعم القوات المسلحة في معركتها مع الحوثيين وأنصار المخلوع علي عبد الله صالح في اليمن، وذلك بعد استشهاد ستة وأربعين من أبناء الجيش الإماراتي.
فقد بدأت القنوات التلفزيونية المختلفة بث برامج توعوية وحملات إعلامية موجهة ومؤثرة تعلي من أهمية دعم القوات المسلحة بمختلف مسمياتها، والحرص على الزود بالنفس مقابل حماية البلاد من الأعداء.
وإن كان العدو الظاهر حالياً هم الحوثيون وأنصار المخلوع علي عبد الله صالح، ولذلك تتركز الحملة ضدهم، إلا أن ذلك لا يمنع من ضرورة تصحيح البوصلة التي من شأنها أن ترشد أصحابها إلى العدو الحقيقي.
فعلى الرغم من التصريحات غير الرسمية التي صدرت وتصدر من مسؤولين في الفترة الأخيرة عن احتمال ضلوع إيران في استشهاد هذا العدد الكبير من جنود الإمارات، إلا أن ذلك لم يلق تطبيقاً خلال حملة التجييش التي يتم تنفيذها رسمياً في وسائل الإعلام بمختلف أشكالها.
يؤكد مختصون في إدارة الحملات الإعلامية أنه في حال كان هناك رغبة في تحقيق أفضل النتائج لحملة معينة، لا بد أن يكون هدفها واضحاً، وفي حالة الدولة، ما يزال "العدو" الذي يحتل الجزر منذ أكثر من أربعين سنة خارج إطار التحشيد الشعبي ضد المحتل، الأمر الذي يشكل ضربة للحملة الإعلامية.
طهران التي تحاول أن تنأى بنفسها عن أي تحركات يقوم بها حلفاؤها في العديد من الدول المجاورة لها، إلا أن كثيراً من المعطيات والشواهد تؤكد ضلوع طهران في الكثير من مجريات الأحداث إن كان في منطقة الخليج أو تركيا أو حتى التحرك الإقليمي.
إن استعادة قرارات القمة العربية على الأقل ومواقف الدولة الرسمية بشأن جزرها المحتلة من قبل إيران، وضرورة تحريرها إن لم يكن بالسياسة فبالقوة، من شأنه أن يصحح مسار البوصلة، الأمر الذي سيزيد من حجم التعاطف الشعبي.
في الوقت ذاته، وفي ظل تزايد حجم قوات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، فإن قرار الإمارات للعودة خطوة إلى الوراء، واستدعاء الغالبية من جنود الدولة في اليمن إلى البلاد، والإعلان عن حملة شعبية مساندة لاستعادة الجزر المحتلة من شأنه أن يحظى بموقف شعبي داعم بخلاف الانخراط في الحرب اليمنية.
لكن ما يفاقم حيرة المواطنين، أن هذه المواقف والتصريحات التي تصدر على لسان مسؤولين في الدولة بخصوص الجزر، تقابلها سياسة مالية واقتصادية مختلفة تماماً. فماذا يعني أن يبلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإيران خلال الخمس سنوات الماضية (2010 و2014) نحو 95 مليار دولار أمريكي، مع الإشارة إلى أن العام الماضي فقط حقق زيادة في التجارة بين البلدين عن العام الذي سبقه.
وللعلم، فإن هذه المعطيات ليست تحليلية، بل كشف عنها سلطان المنصوري، وزير الاقتصاد الإماراتي، وذكر عقب لقائه محمد رضا فياض، السفير الإيراني لدى أبوظبي مؤخراً: "إن إيران تأتي في المرتبة الرابعة بالنسبة للأهمية النسبية لحجم التجارة الخارجية للإمارات مع بقية دول العالم".
ويرى مراقبون، أن الأوضاع الإقليمية والمواقف العربية من إيران، من شأنها أن تدعم أي موقف أو تحرك إماراتي لاستعادة أراضيه المحتلة، فالدول الخليجية تعيش مرحلة تصعيد ضد إيران، في الوقت الذي تؤكد الجامعة العربية بضرورة انسحاب طهران من الجزر الإماراتية المحتلة.
ظروف قد ينقصها، بحسب مراقبين، تحرك شعبي يطالب بـ "الثأر" من إيران من خلال دحرها وطردها من الجزر الإماراتية المحتلة منذ سنين طويلة.