أحدث الأخبار
  • 01:26 . "التوطين": أكثر من 12 ألف بلاغ عمالي سري خلال تسعة أشهر... المزيد
  • 08:05 . حلف قبائل حضرموت يحمّل أبوظبي "المسؤولية الكاملة" عن التصعيد واجتياح المحافظة... المزيد
  • 08:05 . بعد مقتل أبو شباب.. داخلية غزة تدعو المرتبطين بالاحتلال لتسليم أنفسهم... المزيد
  • 12:46 . سائح بريطاني يعبّر عن دهشته من تزايد أعداد الإسرائيليين في دبي (فيديو)... المزيد
  • 12:45 . إيران تردّ على بيان قمة مجلس التعاون الخليجي بشأن الجزر الإمارتية الثلاث... المزيد
  • 12:43 . السودان: 15 قتيلاً في هجمات للجيش و"الدعم السريع" في كردفان... المزيد
  • 11:07 . "الإمارات الصحية" تطوّر خدمات فحص اللياقة الطبية لتأشيرات الإقامة... المزيد
  • 11:06 . جيش الاحتلال يشن قصفاً مدفعياً على مناطق شرقي غزة وخان يونس... المزيد
  • 09:36 . قناة بريطانية تدفع تعويضات كبيرة نتيجة بثها ادعاءً كاذبا لـ"أمجد طه" حول منظمة الإغاثة الإسلامية... المزيد
  • 06:39 . معركة النفوذ في حضرموت.. سباق محتدم بين أبوظبي والرياض... المزيد
  • 06:22 . روائية أمريكية بارزة تقاطع "مهرجان طيران الإمارات للآداب" بسبب الحرب في السودان... المزيد
  • 05:07 . جيش الاحتلال يعلن مقتل زعيم المليشيات في غزة "ياسر أبو شباب" على يد مجهولين... المزيد
  • 11:35 . "المعاشات" تصفّر 8 خدمات رئيسية ضمن مبادرة تقليل البيروقراطية الحكومية... المزيد
  • 11:31 . "الأبيض" يخسر أمام الأردن 1–2 في افتتاح مشواره بكأس العرب... المزيد
  • 11:30 . سلطنة عُمان تنجح في إعادة طاقم سفينة "إتيرنيتي سي" من اليمن... المزيد
  • 10:12 . الإمارات تعلن تخصيص 15 مليون دولار للاستجابة للأزمة في السودان... المزيد

كرم الله وتبذير الناس

الكـاتب : عبد الله السويجي
تاريخ الخبر: 22-06-2015

يتكرر المشهد الاقتصادي والدرامي في كل رمضان، فترتفع أسعار اللحوم والخضراوات والحلويات، وتزدحم الشاشات الفضية بالمسلسلات السطحية (المسلية)، ورغم ذلك يقبل المستهلكون والمشاهدون على استهلاك ما يقدّم لهم من دون رؤية نقدية، فيما يستمر الأهالي في توفير وإتاحة الأجهزة الإلكترونية المدمرة لأبنائهم، حتى يتجنبوا حركتهم الزائدة وزعيقهم المتواصل.
يوم الخميس الماضي، وهو اليوم الأول لشهر رمضان المبارك، نشرت إحدى الصحف على لسان أحد التجار أن أسعار اللحوم ازدادت بنسبة 20%، بينما ارتفعت أسعار الخضار بنسبة 5%، ومن المتوقع أن تزيد نسبة ارتفاع الأسعار في النصف الأول من الشهر الكريم، نتيجة الاستهلاك المتزايد واستغلال التجار لحاجة الناس.
أما استقبال رمضان بهذا الكم الهائل من البرامج الترفيهية والمسلسلات، فقد أصبح ضمن عادات وتقاليد الشهر الطارئة على معناه وقيمه، والمشكلة تكمن في سطحية معظم المسلسلات التي ترمي إلى الضحك فقط، أو افتعاله. ونظراً لحاجة القنوات الفضائية لملء مساحاتها، فإنها تقبل على شراء ما هبّ ودبّ من الأعمال الفنية الهابطة.
والأمر لا يتوقف عند كثرة المسلسلات، وإنما في موضوعاتها المستهلكة، ومعالجاتها الفجة، وأحياناً عند الإسفاف، فالشهر الفضيل له حرمته وقيمه، ولا شك أن الإسفاف والمشاهد التافهة تجرح هيبة الشهر، لكن الناس يقبلون عليها بذريعة الحرارة والرطوبة والكسل أو التخمة بعد الإفطار، والخوف الكبير من أن يتحول الشهر بكل تفاصيله إلى شهر سهر وسمر وحفلات ومآدب، وتنحسر روحانيته إلى أدنى درجة، فيصدق معنى الحديث أن كثيرين لا يصيبهم من رمضان سوى الجوع، ولا يصيبهم من صلواتهم سوى الحركة.
لا جدال في أن هذا الشهر الفضيل ليس لاستعراض أنواع الطعام وأشكال الحلويات وتعدد الأطباق والعصائر المختلفة، وليس للتسلية وقتل الوقت. فهذا الشهر شهر عبادة ومراجعة وتأمل وشد الأحزمة على البطون، ليتحقق عامل التعاطف مع الفقير، وتقدير نعمة الله على عباده، وتثمين الوقت. وكم هي الساعات التي تضيع من دون فائدة أو إنتاجية، في الوقت الذي يجب أن تكون علاقة المسلم مع الزمن كعلاقته مع الله، وقد حذر بعض العلماء من توجيه اللعنة على الزمن، فالدهر هو الله، والله هو صاحب الوقت والزمان والدهر، والتعامل معه شديد الحساسية، ولهذا يُسأل المرء عن عمره (وقته) كيف أمضاه، وعن ماله كيف صرفه، فإضاعة الوقت من دون فائدة يقترب من المحرمات، والفائدة ليست مادية، وإنما روحانية ونفسية ومجتمعية، فالفائدة تكمن أيضا في الجلوس مع الأهل أو معايدة المرضى أو صلة الرحم أو ممارسة العمل التطوعي، أو إصلاح ذات البين وتقريب وجهات النظر بين الأصدقاء المختلفين أو الأهل المتناحرين. وما أحوجنا إلى ممارسة هذا الفعل على الصعد الشخصية والمجتمعية والإقليمية والإنسانية، فالخراب يضرب الساحات السياسية والانفلات يصدّع المجتمعات، والإنسان في أمس الحاجة إلى درء الفتن والحروب وإيقاف سيلان الدم، وتطبيق مبدأ حرمة دم المسلم على المسلم. كل هذا على صلة مع الوقت والزمن وكيفية إدارته والاستفادة من كل دقيقة منه حتى ولو بكلمة خير ومودة ورحمة.
أما الاستهلاك غير الطبيعي في رمضان، فيحول الناس من صائمين إلى شرهين وبالنتيجة يتم تصنيفهم في خانة المبذرين، فمن يشتري ما لا حاجة له به، ومن يرمي الطعام، هو إنسان لا يقدر نعمة الخالق، وبالتالي فهو مبذر، والمبذرون إخوان الشياطين، فكيف يقبل الصائم أن يكون أخ الشيطان في شهر الكرم والفضيلة، الشهر الذي أنزل فيه القرآن! ولو تأمل كل فرد ما يفعله في يومه وما ينتظره من عتاب أو حساب عند مقابلته لخالقه، لتوقف من فوره عن شراء ما لا يحتاج، أو رمي الطعام في سلال المهملات.
الغريب أن معظم الناس يعرفون ويدركون ما سبق من كلام ولكنهم يقدمون على تبنّي السلوك المعاكس. ولو راقبنا وسائل التواصل الاجتماعي (توتير، إنستغرام، فيس بوك) أو المجموعات على (الواتس أب) لاكتشفنا أن الجميع تحولوا إلى مصلحين ورجال دين وحكماء يكتبون النصائح والآيات والأحاديث ذات الصلة، لكنهم في الحقيقة لا يطبقون سوى نسبة ضئيلة من المبادئ التي ينشرونها على الملأ، وهذا سلوك يتناقض فيه الإنسان مع نفسه ويقترب من تصنيف الانفصام في الشخصية، وهذا يضع الإنسان مرة أخرى نفسه في مواجهة مع الخالق الذي يذكر الذين يقولون ما لا يفعلون، هؤلاء فئة ترتكب الخطيئة والمعصية.
المشهد ليس مشوهاً، هنالك نور كبير يشع من الظلام بشكل دائم، هنالك من يعمل الخير بشكل حقيقي، ويفعل ما يقول، ويتصدق فلا يجعل اليد اليسرى تعرف ما أعطت اليد اليمنى، لكن الإعلان عن فعل الخير أحيانا وفي مواقف معينة، يشكل ضرورة من حيث تكريس المبدأ والفعل والسلوك. فعلى سبيل المثال، لا بد من الإعلان بفرح كبير عن إعلان الدولة الإفراج عن عدد من السجناء وتسديد مديونياتهم، بأوامر وتوجيهات من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه أعضاء المجلس الأعلى حكام الإمارات، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، وسيستفيد من هذه المكرمات قرابة (2000) شخص، سيتمكنون من قضاء شهر رمضان وسط أسرهم. وهذا الإعلان يكتسب معنى سامياً، ويحرض على التسامح والكرم وتعزيز النسيج المجتمعي. وهذا المبادرة قلّما تحدث في مناطق أخرى من العالم، وحدوثها في بلادنا مبعث فخر واعتزاز بمبادئنا وقيمنا وتوجهاتنا الإنسانية، ونتوقع من التجار أن يحذوا حذو القادة فيبادرون إلى تخفيض الأسعار وتوفير المنتجات الضرورية لرمضان، وأن يقوموا برقابة ذاتية، فلا ينتظرون وزارة الاقتصاد أو البلديات، وكذلك الأمر بالنسبة للقائمين على القنوات الفضائية، عليهم أن يتوقفوا عن إهدار الوقت من دون فائدة، فرمضان ليس شهر تسلية، وإنما شهر محاسبة وتأمل. وكل عام وأنتم بخير..