اقتحم خيار الحرب البرية ضد "داعش" وسائل الإعلام الخليجية والأردنية بصورة أسرع من "النار" التي أحرق فيها التنظيم الإرهابي الطيار معاذ الكساسبة. وأخذ التنظير لهذه الحرب مرحلة متقدمة ليست إعلامية فقط وإنما ميدانية من جانب جميع الأطراف. وليس غريبا في منطقتنا تسارع الأحداث، بشكل يصل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كون الثابت الوحيد فيها عدم الاستقرار والثبات؛ فخلال أسبوع واحد، طفا على السطح حرب خليجية أردنية برية ضد داعش في سوريا، سرعان ما "توارى" وسط التطورات المتلاحقة. فما هي المستجدات الميدانية والاستراتيجية التي وقعت، وقد تؤدي إلى استكمال الحرب البرية أو إفشالها؟
توقيت الحديث عن الحرب البرية
يبدو للوهلة الأولى أن ازدياد الحديث عن الحرب البرية، مرتبط بإعلان تنظيم "داعش" عن إحراق الكساسبة، وهذا في أحسن الأحوال يثبت علاقة تزامن وليس علاقة سببية. لأنه من الصعب التصور، أن يخطر في بال الإعلام الخليجي والأردني، ومنسق التحالف الجنرال جون آلن، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والسيناتور الجمهوري جون ماكين، أن يتحدثوا عن حرب برية وهزيمة "داعش" بعد ساعات قليلة من إعلان إعدام الكساسبة دون وجود تخطيط مسبق.
استراتيجية أوباما.. "الصبر الاستراتيجي"
ومن جهة ثانية، فقد سبق الحديث الموسع عن الحرب البرية خطابا للرئيس الأمريكي أوباما الجمعة (7|2) خصصه لعرض استراتيجية في مكافحة الإرهاب. لذلك، ليس مستبعدا أن يكون الحديث عن حرب برية قبيل الخطاب، للضغط على الرئيس الأمريكي ليضمن هذه الحرب استراتجيته. ولكن فاجأ الرئيس أوباما دول التحالف وفي صميم منها الأردن ودول الخليج، طرح "الصبر الاستراتيجي"، وهو ما يعني أن رؤيته للتعامل مع "داعش" تختلف عما تسعى إليه هذه الدول، ومع أنه لم يستببد حرب برية ضد داعش "إذا اقتضت الضرورة"، فإنه أكد أن استراتجيته لا تقوم على حرب برية ضد التنظيم.
تحرك النظام السوري
بعد الإعلان عن اعتزام حملة برية ضد داعش وأن الأردن سيكون ممر لهذه الحملة، وقد يكون الجيش الأردني عمودها الفقري إلى الدعم الدولي، سارع النظام السوري والمليشيات الشيعية إلى إعادة الحرارة لجبهة درعا الجنوبية، كونها ستكون المدخل المتوقع للحرب البرية. واستطاع النظام ومؤيدوه من تحقيق "إنجازات" ميدانية، أثارت تخوف إسرائيل من "النصر السريع" لجيش الأسد في درعا. فتمركز جيش النظام وحزب الله جنوب سوريا على حدود الأردن لا شك بأنه خلق وضعا استراتيجيا مختلفا أمام الحلفاء المتحمسين للحرب البرية.
الخليج ومجلس الأمن
على خلاف موقف دول الخليج من سيطرة الحوثيين على اليمن، ومطالبتهم في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون بالرياض أمس (14|2) مجلس الأمن أن يتدخل تحت الفصل السابع والذي يسمح باستخدام القوة ضد الحوثيين، فإن دول الخليج سارعت بالإعلان عن "ضرورة" الحرب البرية ضد داعش دون المرور بمجلس الأمن!
الأمم المتحدة، قالت على لسان أحد مسؤوليها "ألكسندر أفانس" الجمعة (13|2)، "إن شن حرب برية ضد "داعش" يجب أن يمر عبر مجلس الأمن".
فهل تعجلت دول الخليج بالإعلان عن الحرب البرية، أم أنها أخفقت بالضغط على أوباما لتبني هذا الخيار، أم أن نظام الأسد باغتها بواقع ميداني مختلف، أم أن اشتراط الأمم المتحدة الحصول على تفويض من مجلس الأمن قوض خططها. كل هذه التساؤلات، تقود إلى تساؤل جوهري: هل هذه التطورات أفشلت الحرب البرية الخليجية أم قدمت لدول الخليج "سلما" للنزول عن "الدبابة" التي تسلقوها؟!