بعد ساعات من هجوم "شارلي إيبدو" تبنى تنظيم الدولة الإسلامية الهجوم، مستبقا تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي في تبن مشابه، لتلحق بهم "قاعدة اليمن" لتعلن مسؤوليتها عن الهجوم والتصريح بأنه أمر من زعيمها أيمن الظواهري.
كما أن القول بأن منفذي الهجوم في فرنسا تابعون لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب لا يتناقض مع كونهم قد تلقوا تدريبهم من خلال مشاركتهم بالأحداث الجارية في سوريا، فعلى الرغم أنه من المفترض أن معظم المقاتلين الأجانب الذين قدموا للمشاركة في الحرب السورية هم متحالفون مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو تابعون لتنظيمات صغيرة تابعة للقاعدة موجودة في سوريا؛ إلا أنه من المعروف أيضًا أن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب والذي يتخذ اليمن كمقر له، قد أرسل مقاتلين إلى سوريا، وهذا التنظيم يواجه ضغوطًا تنافسية من تنظيم الدولة الإسلامية، في حرب يائسة تسعى فيها القاعدة لإثبات جدارتها؛ لذا فإنه من المعقول أن نفترض أن عمليات القتل التي حدثت في فرنسا قد تكون محاولة لتذكير العالم بأن تنظيم القاعدة لايزال ناشطًا وفاعلاً على الساحة الدولية.
يشير مراقبون بأن هذه النتيجة كانت متوقعة في ظل تراجع تنظيم القاعدة في مواجهة التقدم الذي يحرزه تنظيم الدولة الإسلامية على الساحة الدولية، ومما زاد الطين بلة هو عدم اتخاذ حكومة الولايات المتحدة الأمريكية لأية اجرءات لتخفيض خطورة تهديدات القاعدة؛ وبالتالي فإن صعود إحدى المنظمات الإرهابية لن يشكل تراجعًا للمنظمات الأخرى، بل على العكس من ذلك، فإن بزوغ أكثر من تنظيم على الساحة سيؤدي ببساطة إلى إيجاد عدد أكبر من القتلة المدربين التابعين لهذه التنظيمات على أرض أوروبا الغربية، وهذا العدد الكبير سيشكّل تهديدًا أكبر من أي وقت مضى على الغرب الأوروبي.
بقراءة متأنية للهجوم الذي تم تنفيذه في فرنسا، نجد بأن طريقة تنفيذ الهجوم تتناسب مع العقلية التي ينتهجها تنظيم القاعدة؛ فتنظيم القاعدة، وبالأخص تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، اعتبر نهج اغتيال رسامي الكاريكاتير ديدنه وخطته الخاصة، ففي عام 2011، دعا أحد كبار شخصيات تنظيم القاعدة أنور العولقي، أتباعه إلى اغتنام المبادرة وقتل رسامي الكاريكاتير الذين أساؤوا للنبي محمد بأيديهم، وذلك في خطبة نشرها على الإنترنت بعنوان "لن يستقر الغبار"، وقد تم ربط هذا التسجيل بعدد كبير من الهجمات والتهديدات التي مورست ضد الأفراد الغربيين المشهورين بإساءتهم للنبي محمد، وفي مارس من عام 2013، أصدرت مجلة "إلهام" الإلكترونية التابعة لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، منشورًا سردت فيه عددًا من المطلوبين لعدائهم للنبي محمد، وكان من بينهم رئيس تحرير مجلة شارلي إيبدو المدعو ستيفان تشاربونيير، والذي كان من بين القتلى في الهجوم المنفّذ على الصحيفة الأربعاء الماضي.
كما أن الطريقة التي تم بها تنفيذ الهجوم تنمّ عن قالب معروف اشتهر به تنظيم القاعدة، فتفاصيل الهجوم توحي بأن منفذي الهجوم كانت لديهم معلومات داخلية عن الاجتماعات الجارية في مقر الصحيفة كما أنهم على دراية بخريطة مكتب ايبدو، وهذا ما ساعدهم على تنفيذ مخططهم بنجاح ومعرفتهم بالمكان والزمان المناسب لتنفيذ هجومهم، وهذا النوع من التخطيط المفصّل هو السمة المميزة للعمليات الموجهة لتنظيم القاعدة، وهذه العمليات مختلفة عن الهجمات المحلية التي غالبًا ما تفشل بسبب عدم كفاءة المنفذين.
أخيرًا، فإن هذا الأسبوع شهد تصعيدًا غير مسبوق في الحرب التي يشنها الجهاديين على الغرب، وتفاعل جزء كبير من وسائل الإعلام بخوف مع هذا التصعيد، حيث قامت وكالة "أسوشيتد برس" بإزالة كافة المحتويات التي تشمل صورًا لصفحات صحيفة شارلي إيبدو من موقعها الإلكتروني، ومن المتوقع أن يحذوا مديرو وأصحاب شركات النشر الأخرى حذو وكالة أسوشيتد برس في محاولة منهم لكسب الأمان، ولكن هذا رد فعل خاطئ تجاه التهديدات التي تحوق بالعالم الغربي، كون تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والمجموعات الأخرى التي تواصل حربها ضد الكيان الغربي، لا تمتلك فرقًا مدربة على القتل منتشرة في كل زاوية من زوايا الغرب، والرد المناسب لتحدي الإرهاب الدولي هو زيادة الأمن الداخلي وتبادل المعلومات بين الحكومات حول المواطنين المتجهين للقتال في سوريا والعراق، بالإضافة إلى فرض رقابة أمنية مشددة على الحدود الأوربية المفتوحة.