لوحظ أنه بعد أحداث 11 سبتمبر وبعد الربيع العربي تحديدا، أن التعيينات التي تتولى العديد من المناصب العليا والقيادية في كثير من المؤسسات المدنية الإماراتية ذات طابع أمني وعسكري، وخاصة في المجالات والمؤسسات القريبة من التعليم والتنشئة وإنتاج الفكر وثقافة المواطن الإماراتي. وكما هو معروف، فإن هذه المؤسسات المدنية هي مدنية النشاطات والجمهور الذي يتعامل معها، وخاصة الشباب والأطفال والأسرة والمدنيون بصفة عامة. فهل اختيار شخصيات أمنية لرئاسة هذه المؤسسات اختيار متعمد أم عفوي؟ وهل هذا الاختيار وبغض النظر عن تعمده أو عفويته هو اختيار وتعيين مناسب أم لا؟
مجلس أمناء مؤسسة التنمية الأسرية
أصدر ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد مؤخرا قراراً بإعادة تشكيل مجلس أمناء مؤسسة التنمية الأسرية، برئاسة علي سالم عبيد الكعبي. ونص القرار على عضوية اللواء محمد خلفان الرميثي، نائب القائد العام لشرطة أبوظبي، وآخرين يمثلون مجال التعليم والصحة في الإمارة. ومن المعروف أن "التنمية الأسرية" في أبوظبي تتركز نشاطاتها بالاهتمام بالمرأة والطفل والأسرة، وهم جمهور مدني بصورة شاملة وكاملة، ولا يمكن أن يكون رئيس المجلس شخصية أمنية مثل علي الكعبي، وهو عميد سابق بالجيش وخريج جامعة ساندهيرست العسكرية، ويقال أنه ضابط في جهاز أمن الدولة، ويحمل الماجستير في العلوم العسكرية، إلى جانب اللواء الرميثي، وهو أيضا خريج ساند هيرست العسكرية عام 1990، وعمل في عدة مناصب عسكرية من 1991 إلى 2007، وفي أبريل الماضي تم تعيينه نائبا للقائد العام لشرطة أبوظبي.
فمجلس التنمية الأسرية بهذه الصفة، قد يكون أبعد ما يكون عن التعليم والتنشئة المدنية التي تناسب الطفل والأم واهتماماتهم، وقد لا يكون حادا على اعتبار أن هذا المجلس ذو تنمية أمنية وعسكرية لا تنمية أسرية اجتماعية.
مفهوم لدى الإماراتيين لماذا يتم تعيين شخصيات أمنية وعسكرية في مواقع اجتماعية ومدنية، بعد صدور قانون رقم (6) لعام 2014 بشأن الخدمة الوطنية العام الجاري والذي ألزم على المواطنين الإماراتيين الذكور الخدمة العسكرية من سن 18 عاما، يؤدون فيها الخدمة في القوات المسلحة وجهاز أمن الدولة. وقد علق مراقبون على توقيت إقرار قانون الخدمة الوطنية واستهدافه فئة بواكير الشباب، بأنه سعي مقصود لتزويد هذه الفئة العمرية المهمة بمعارف وأفكار مقصودة ومحددة، كما هو السبب في تعيين قيادات عسكرية وأمنية مؤسسات مدنية.
مؤسسة الإمارات لتنمية الشباب
مؤسسة أنشأتها حكومة أبوظبي لتعنى بشؤون الشباب، وتقول المؤسسة عن نفسها على موقعها الإلكتروني، "تم إعادة توجية المؤسسة مؤخراً لتركز بشكل رئيسي على تنمية الشباب في دولة الإمارات، والذي يعتبر أحد أهم التحديات الأكثر إلحاحاً وأهميةً في تعزيز مستقبل الدولة".
ومن بين أعضاء هذه المؤسسة ذات الطابع الاجتماعي المدني، اللواء عبيد الحييري سالم الكتبي. بدأ اللواء حياته العسكرية سنة 1977 عندما تخرج في كلية زايد العسكرية. وكان منسق عمليات نزع الألغام في لبنان سنة 2001، وقائد القوات الإماراتية لإعادة إعمار العراق سنة 2003. كما كان رئيس لجنة الجودة للقوات المسلحة، ورئيساً لمجلس إدارة نادي ضباط القوات المسلحة، ورئيسا لشعبة التخطيط الاستراتيجي في قيادة القوات الجوية والدفاع.
واقع المؤسسات المدنية "الأمنية"
تواجد شخصيات أمنية وعسكرية في المؤسسات المدنية سواء في مستويات الإدارة العليا أو المتوسطة بات يعرفه كثيرون ممن يتعاملون ويترددون على هذه المؤسسات، وتقوم هذه الشخصيات الإدارية بتقديم تجربة عمل ممزوجة بأبعاد أمنية، حيث لا تحتمل الكثير من هذه المجالات أية أبعاد أمنية أو عسكرية نظرا لاختلاف طبيعة هذه النشاطات عن نشاط الإدارة ذات الخلفيات الأمنية.
إضافة إلى ذلك، فإن تواجد هذه الشخصيات في هذه المواقع المدنية لا يتوافق مع الفكر والفن والتطوير الإداري الذي تتبناه المؤسسات الإماراتية، لأن الإدارة والأعمال تقوم على التخصص، وتخصصات دقيقة أيضا، وهو ما لا يصلح معه فنيا أو إداريا وجود شخصيات عسكرية في مواقع مدنية كما لا يصلح وجود شخصيات مدنية في المجال العسكري أو الأمني.
ورغم وجود معارضين ومؤيدين لهذا الخلط في التعيين، فإن المدى المتوسط لهذه المؤسسات ولحياة الشعب الإماراتي سيكشف عن حجم الفجوة الهائلة بين متطلبات العمل المدني والعمل الأمني والعسكري. عندها، الأجيال الراهنة –وليس القادمة- هي التي ستحدد الإجابة عن مصير مؤسسة مدنية، جمهورها ونشاطها مدني، إلى أين تسير، وهل كان هذا الاختيار مناسبا أم لا، سواء أكان الاختيار متعمدا أم عفويا؟