الحالة الإستراتيجية لدول الخليج
نشر مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث الإستراتيجية ورقة بحثية بعنوان "إيران والخليج.. عدو حقيقي أم صديق خفي؟". بدأت الدراسة بتوصيف الحالة الاستراتيجة للخليج، إذ اعتبرت أن دول الخليج تقف اليوم على مفترق طرق، و أن خيارات وقرارات هذه الأيام الحرجة قد تؤدي إلى نتائج بالغة التناقض: إما الاتجاه نحو مزيد من تقوية وتمتين مجلس التعاون وربما توسعتها، وإما انهيارها تماما. وقالت الدراسة، إن الخلافات بين دول الخليج كثيرة ومتشابكة، تبدأ من النزاعات الحدودية لتصل إلى اختلافات جذرية حول قضايا استراتيجية تتعامل معها على نحو انفرادي يؤدي لمسارات مختلفة ومتناقضة في كثير من الأحيان ما يعكس رؤية تنبني على الاضطراب والتعسف لا على المصلحة الاستراتيجية المستقلة.
وأضافت الدراسة، إن الصلح الأمريكي-الإيراني واعتراف الولايات المتحدة بإيران كشريك قوي وفاعل في الخليج، قد دفع دول الخليج نحو مزيد من الاستقطاب والانفرادية في سياساتها الخارجية، فضلا عن التنافس والتناقض لا سيما مع العلاقات الأكثر من دافئة بين إيران وبعض دول الخليج، لتضاف إيران إلى عوامل ومفجرات التناقض بين الدول الخليجية.
الدراسة وهي في إطار توصيف الحالة الخليجية، طرحت أسئلة حرجة وعميقة تمثلت: هل خريطة الخليج ستتغير كليا، ومتى سينهار مجلس التعاون الخليجي، هل انتهت الحاجة الأمريكية لوجود كتلة خليجية مجتمعة، مسلطة الضوء على دعوات بعض دول الخليج لإبرام تحالفات مزدوجة مع إيران وأمريكا، ودعوة بعض أعضاء الأسر الحاكمة للتحالف مع إسرائيل.
وارتأت الدراسة، أنه ورغم كل الإمكانيات والفرص وأسس الوحدة والتقارب لم يظهر حلف استراتيجي بين دول الخليج، وإرادته ظلت مرتهنة للخارج.
وتقول الدراسة، إنه لم يتضح بعد إن كان اتفاق الرياض الأخير، وما أعقبه من عودة السفراء للدوحة وزيارة ولي عهد أبوظبي، الشيخ «محمد بن زايد» إلى الدوحة، سيؤدي إلى تهدئة مؤقتة أملتها ظروف إقليمية، أم هي تبني لخيار استراتيجي بالحفاظ على وحدة العمل الخليجي مهما كانت التباينات؟
الحالة الإستراتيجية لإيران
رأت الدراسة، أن إيران تسعى إلى إضعاف خصومها في كل الساحات، وتؤمن أن لديها كل ما يؤهلها لتصبح القوة الإقليمية الأولى في المنطقة وقد خططت لتنفيذ ذلك بحلول عام 2025.
ويقع الخليج في قلب الخطط والتصورات الاستراتيجية الإيرانية، فالمحركات السياسة الإيرانية نحو الخليج تتم بدوافع وأطماع ذات صيغة مركبة متداخلة مبنية على أسس عقائدية، مشحونة بدوافع نفسية متأصلة، برصيد تاريخي ممتد".
فرؤية الجمهورية الإسلامية الإيرانية لسياستها الخارجية وخريطة تحالفاتها محكومة منذ نشأتها عقب الثورة الإسلامية بمحددات أساسية كشفت عنها وثيقة "الاستراتيجية الإيرانية العشرينية 2005-2025". وفقا للوثيقة فإن على إيران أن تصبح "نواة مركزية لهيمنة تعددية داخلية في منطقة جنوب غرب آسيا (أي المنطقة العربية تحديدا التي تشمل شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وسيناء) .
السعودية-إيران
رصدت الدراسة في العلاقات بين إيران والسعودية، عددا من الملفات التي تثير التوتر بين البلدين مثل الخلاف الاثني العربي-الفارسي والطائفي السني-الشيعي، و الخلاف حول البرنامج النووي الإيراني، والشيعة السعوديين، وتهديدات إيران بغلق مضيق هرمز، فضلا عن الخلافات حول البحرين والعراق واليمن وسوريا والصراع العربي الإسرائيلي.
و لكن على السطح تبدو العلاقات السعودية الإيرانية عميقة وقديمة لخصتها قبلة السفير السعودي الجديد في إيران على رأس هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، ووصلت إلى ذروتها بتوقيع اتفاق أمني بين البلدين، كذلك لدى السعودية قنصلية عامة في مشهد حيث مقام الإمام علي الرضا. إلا أن تلك العلاقات بدأت تتدهور منذ منذ الحرب الأمريكية على أفغانستان، إذ بدأ التنافس بين البلدين يتحول تدريجيا إلى حرب باردة بعد أن رجحت تحولات المعادلات الإقليمية الكفة الإيرانية؛ وهو ما نشهد تجلياته اليوم في العراق وسورية ولبنان واليمن والبحرين.
الإمارات-إيران
تقول الدراسة، رغم تخلص إيران من الشاه، إلا أنها لم تتخلص من تركته بخصوص الإمارات، فمنذ استيلاء الشاه علي الجزر الإماراتية ظلت العلاقات الإيرانية الإماراتية بالغة التوتر والحساسية. كما دعمت الإمارات دولة العراق في الحرب العراقية الإيرانية كما دعمت أمريكا في حرب ناقلات النفط ضد إيران عامي 1987 و1988.
وعلى الرغم من توتر العلاقات على المستوى السياسي، والدبلوماسي، والأمني، إلا أن الإمارات تعد شريكا اقتصاديا لإيران من الدرجة الأولى. كما يشير تقرير صادر عن الكونجرس في أكتوبر 2012 إلى أن أهمية دبي اللوجستية في شبكة عبد القدير خان النووية والتي يعتقد أن المواد النووية انتقلت عبرها إلي إيران فضلا عن دول أخرى. وتشير تقارير أخرى إلى أن العديد من الشركات العاملة في الإمارات تهرب بضائع وأجهزة ومعدات ممنوعة لإيران منها أجهزة حاسوبية وجوية، كما تفترض تقارير غربية أن الإمارات تزود إيران بالغاز رغم العقوبات الأمريكية.
ومع ذلك ترفض طهران أي مسعى دبلوماسي إماراتي لحل القضايا العالقة بين الدولتين خاصة مسألة الجزر الثلاث. وترى الدراسة، أنه من المؤكد أن مسألة الجزر ستظل مؤرقة للإمارات ومصدرا للتوتر الشديد بين البلدين على المدى الطويل. بل وربما تؤدي إلى مواجهة عسكرية لا سيما مع التصعيد الإماراتي في مواجهة التشدد الإيراني حيث أرسلت الإمارات قوات بحرية وجوية لتكون على مقربة من الجزر الثلاث.
وتتوقع الدراسة، أن إيران ستكون أكثر عدوانية وحسما تجاه الإمارات حال نجاحها في تطبيع علاقاتها ووجودها في المجتمع الدولي.
قطر-إيران
ظلت علاقة قطر بإيران محكومة بالصداقة الحذرة، فقد كانت قطر حريصة على الاحتفاظ بعلاقات صداقة مع إيران في الماضي وفي الوقت ذاته تستضيف قطر منذ عقود قاعدة أمريكية كبرى لموازنة إيران "وغيرها". وقد دعت قطر إيران للقمة الخليجية التي انعقدت في العاصمة القطرية الدوحة في عام 2007. كما أن قطر لم تؤيد على نحو علني جهود عزل إيران أو معاقبتها. وفي فبراير عام 2010 وقعت الدوحة وطهران اتفاقا أمنيا محدودا قيل إنه كان محصلة زيارات متبادلة على مستوى أمني رفيع بين البلدين.
ولكن، كان الربيع العربي عاملا فارقا في العلاقات القطرية الإيرانية، لا سيما مع تأييد إيران المفتوح لنظام بشار الأسد وتأييد قطر في المقابل لبعض فصائل الثورة من جهة، وتأييد إيران للمعارضة الشيعية في البحرين في مقابل دعم قطر للحكومة في المنامة من جهة أخرى. ولم يتوقف هذا التنافس على النفوذ بين قطر وإيران عند هذه الملفات فحسب، بل امتد أيضا إلى فلسطين حيث تتنافس الدولتان على دعم حماس.
وتستطرد الدراسة، في ذكر منحى العلاقات بين البحرين وإيران، والكويت وإيران إضافة إلى علاقات سلطنة عمان مع الجمهورية الإسلامية. وتشير إلى زيادة الفجوة والصدام في العلاقات مع البحرين، ومحاولة التقارب الكويتي مع طهران إثر زيارة أمير الكويت إلى إيران قبل منتصف العام الجاري.
خلاصة الدراسة
تخلص الدراسة إلى أن إيران لا تصادق أو تعادي أحدا إلا بقدر ما يقربها ذلك من هدفها النهائي وهو القوة وحدها، فبالنسبة لإيران خرائط الأصدقاء والأعداء تتغير مع تغير خرائط القوة وموازينها. وترى الدراسة، أن دول الخليج مصابة بالعمى الاستراتيجي الذي حتم عليها أن تسعى حثيثا لخطب ود دولة كان يرفضها منذ بضعة عقود قريبة .
خليجيا هرولت كل دولة على حدة تبحث في دفاترها القديمة، فسريعا ما وثقت سلطنة عمان علاقتها مع طهران، استثمارا للدور الناجح الذي لعبته كوسيط عندما استضافت المحادثات السرية بين أمريكا وإيران. وفيما بدا أن استمرار السعودية والإمارات في تحالفهما أمر أكيد، خاصة حيال دعم الانقلاب العسكري في مصر والموقف البالغ العداء لحركة الإخوان المسلمين، إلا أنه أثبت أن ليس كذلك فيما يتعلق بإيران.
كما كان للسعودية حساباتها فيما يتعلق باليمن، و نظرت الإمارات بواقعية تماما لمصالحها التجارية مع إيران، و سعي كل دول الخليج (سرا وعلنا) لإنجاز تسويات مع إيران (بخصوص العراق واليمن وملفات أخرى داخلية وخارجية) كان في حقيقته اعترافا بالحضور الإيراني وإخلاءً للساحة أمام القوة الإيرانية الزاحفة.