أثناء حملة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لانتخابات الرئاسة وعد جميع الدول العربية بلا استثناء بحماية أمنها والتصدي لأي "عدوان" يهددها، مطلقا عبارته الشهيرة "مسافة السكة" للدلالة على سرعة الاستجابة والعزم للقيام بالواجب.
مقولة السيسي خضعت لاختبارات سريعة وحاسمة في عدة مواقف أثبتت حتى الآن عدم جديتها وأنها قيلت فقط لمجاملة بعض حلفائه في الخليج ليستمر دعمهم له في كل محطات حياته السياسية. وتبرز الإشكالية الكبرى أن بعض الحلفاء الخليجيين بنى خططه وطموحه في المنطقة بالاستناد على وعود السيسي في مجالات الأمن.
العدوان الإسرائيلي على غزة والذي جاء بعد نحو شهر من توليه الرئاسة رسميا، لم يحرك السيسي ساكنا بل كان موقفه سببا في ازدياد شراسة العدوان وفق التصريحات الإسرائيلية المتواترة طوال فترة الحرب على غزة التي تؤكد تشجيع مصر لضرب غزة، ولم تنف مصر أي من هذه التصريحات بل كان الواقع على الأرض يؤكدها.
العراق وقبله سوريا كانوا من ضمن الدول التي احتاجت تدخل جيش مصر لحماية الشعب السوري والمصري من انظمة طائفية أو من جماعات العنف، غير أن السيسي أكد أن الجيش العراقي قادر على حماية شعبه. أي أن السيسي أعلن عدم نيته تفعيل "مبدأ مسافة السكة".
اليمن تعرضت لمحنة كبيرة أيضا ولا تزال وانتهك الحوثيون كل المحرمات الوطنية والسياسية في اليمن ولكن الجيش المصري لم يتحرك أيضا. الضربات الجوية التي أكدتها مصادر رسمية ليبية وغربية عن قيام طائرات بشنها داخل الأراضي الليبية إنما كانت لطائرات إماراتية على الأغلب وأن مصر تمثل في تقديم التسهيلات والدعم اللوجستي فقط.
عبد الفتاح السيسي صرح أثناء زيارته الراهنة إلى نيويورك بأن مصر لن تتدخل عسكريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي بدأت دول التحالف العربية والغربية بتوجيه ضربات جوية لها في سوريا اليوم.
بل ألمح السيسي إلى أن الدور الأكبر المطلوب لمواجهة الدولة الإسلامية يقع على عاتق الجيش السعودي والأردني. فهل يتخلى السيسي أيضا عن وعوده للسعودية والإمارات بحفظ أمن الخليج في مواجهة أية اطماع إيرانية؟
فقد أعلن عبد الفتاح السيسي دعمه للولايات المتحدة في حملتها الأخيرة ضد الدولة الإسلامية في الشام والعراق، لكنه رفض تورط مصر عسكريًا في الحرب ضد داعش، وذلك ردًا علي حديث مسؤولين أمريكيين عن إمكانية مشاركة مصر في تدريب القوات العراقية.
وأكد السيسي، علي أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه الجيش العراقي والسوري بالإضافة للدول المتاخمة كتركيا والأردن والسعودية، في الحرب على تنظيم لدولة في الشام والعراق، وشدد علي أهمية أن يكون لهم دور مباشر في المعركة الحالية.
يستشف من ذلك، أن السيسي بالفعل لن يلتزم بما قطعه على نفسه من تحريك الجيوش كما أوهم دول الخليج بأنه الحامي والمدافع عن أمن الخليج امام أية تهديدات خاصة إذا كانت إيرانية. فهل ستدرك هذه الدول قبل فوات الأوان أن الجيش المصري لن يترك سيناء والقاهرة عرضة لتهديدات الدولة الإسلامية ليقطع الصحراء ليدافع عن دول خليجية أو عربية.
والصورة الأشد قسوة والتي لا تريد أن تراها دول الخليج، أن التنظيمات المسلحة تقهر الجيوش وتفر من أمامها، سواء في سوريا والعراق واليمن ولبنان وإسرائيل، وهي جيوش نظامية قوية هزمت امام تنظيمات مسلحة جهادية أو تحررية، فمن هو الجيش الذي يستطيع مواجهة المنظمات المدربة ويدافع عن عن عاصمة أو نظام أو بلاد؟ هذه هي الصورة التي يجب أن تدركها دول خليجية تعتقد أنه بإمكانها أن تواجه الجيل الجديد من الحروب الأشد قسوة وتدريبا!