أفاقت صنعاء على آثار ليلة دموية خلفها جنوح جماعة الحوثيين إلى التصعيد المسلح، إذ حاولوا اجتياح الأحياء الشمالية والشمالية الغربية من العاصمة، وقصفوا مبنى التلفزيون الحكومي وهاجموا حواجز للجيش وقوى الأمن كما سيطروا على عدد من مراكز الشرطة وأطبقوا الحصار على المطار ما أدى إلى توقف حركة الطيران المدني، في ظل عزلة العاصمة، نتيجة انقطاع تام لشبكات الهاتف الخليوي وخدمة الإنترنت. وأتهم الحوثيون مراكز نفوذ باستقدام «داعشيين» لاشاعة الفوضى. وأفادت وكالة «أسوشييتد برس» عن سقوط 120 قتيلاً في العاصمة اليمنية خلال المواجهات العنيفة التي تواصلت ليومين.
وفيما وصف الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، تصعيد الحوثيين بأنه «محاولات انقلابية لإسقاط الدولة»، واصل مستشار الأمين العام للأمم المتحدة مبعوثه إلى اليمن جمال بنعمر، المفاوضات لليوم الثالث على التوالي مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في صعدة، معقل جماعة الحوثيين، وسط أنباء عن توصله إلى مسودة اتفاق من المقرر أن يوقع عليها كل الأطراف السياسية بمجرد عودته المرتقبة إلى صنعاء.
وسيطرت أجواء من الرعب على سكان العاصمة بالتزامن مع حركة نزوح متواصلة، مع اشتداد القصف ليل الخميس وصباح الجمعة (19|9) في أحياء الجراف والتلفزيون، وفي محيط جامعة الإيمان وشارع الثلاثين، إذا استخدمت الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وقذائف «هاون» ومدفعية، ما أوقع عشرات القتلى والجرحى.
وتوقف بث التلفزيون الحكومي بعدما طاولت مبناه قذائف مصدرها الحوثيون، ثم عاود البث مجدداً، كما توقفت خدمات الهاتف الخليوي والإنترنت حتى ظهر أمس. وتصدت قوات الجيش للزحف الحوثي وأجبرت المسلحين على التراجع إلى حي شملان شمال غربي العاصمة، وشهد نهار أمس اشتباكات متقطعة في محيط التلفزيون والأحياء المجاورة لجامعة «الإيمان».
وروى شهودأن «المسلحين الحوثيين الذين يطوقون صنعاء من كل مداخلها منذ نحو شهر، سيطروا ليل الخميس- الجمعة على مركزي الشرطة في بني الحارث وبني حوات شمال العاصمة، واستولوا على نقطة الحتارش عند المدخل الشمالي الشرقي إضافة إلى النقطة الأمنية شمال المطار.
وأعلنت الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد، أن «شركات الطيران العربية والأجنبية قررت تعليق رحلاتها إلى صنعاء 24 ساعة، نظراً إلى المستجدات التي تشهدها العاصمة».
في الوقت ذاته، أمر الرئيس عبدربه منصور هادي القادة العسكريين والأمنيين بتحمل مسؤولياتهم، في حين تفقد وزير الدفاع محمد ناصر أحمد مبنى التلفزيون، وقال: «إن المؤسسة العسكرية والأمنية لن تقف مكتوفة الأيدي بعد اليوم إزاء كل من يحاول العبث بأمن المواطن واستقراره ويسعى إلى الإضرار بمنشآت الوطن والشعب ومصالحهما».
واتهم بيان اللجنة الأمنية العليا الحوثيين بـ «إطلاق النار من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة على مبنى التلفزيون الرسمي في منطقة الجراف»، وطلب منهم «إخلاء النقاط والمواقع التي استولوا عليها والعودة إلى مخيماتهم والتزام النظام والقانون».
إلى ذلك، استقبل هادي سفراء الدول العشر الراعية للعملية الانتقالية وأطلعهم على المستجدات في ظل التصعيد الحوثي في صنعاء وضواحيها، واعتبر التصعيد «محاولات انقلابية لإسقاط الدولة»، وقال: «ما يجري يؤكد أن الشعارات التي كانوا يرفعونها في بادئ الأمر تحت عناوين ومطالب شعبية ما هي إلا غطاء، وكُشِفت اليوم الحقائق والنيات المبيتة على الأرض».
الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبدالسلام نفى في بيان نشره على صفحته في «فايسبوك»، محاولتهم اقتحام مبنى التلفزيون، وبرر القصف بأنه رد على قصف قوات الجيش المرابطة في التلال المجاورة لمبنى التلفزيون.
وكان آلاف من الحوثيين احتشدوا أمس في شارع المطار لأداء صلاة الجمعة، حيث مخيمات اعتصامهم قرب وزارات الداخلية والاتصالات والبريد والكهرباء والمياه، وبرر عبد السلام أعمال الجماعة المسلحة، قائلاً إنها تهدف إلى «حماية المتظاهرين والمعتصمين سلمياً، وحرصاً على عدم انزلاق الأوضاع إلى ما لا تُحمدُ عقباه، لئلا تتكرر تلك الأيام الدموية في شارع المطار ورئاسة الوزراء، وردعاً لعناصرَ داعشية تكفيرية استقدمتها مراكز نفوذ لإشاعة الفوضى، وتشكيك الناس في إمكان انتصار ثورتهم، ولحرفها عن أهدافها العادلة»، على حد زعمه.
ووسط قلق وذعر، ساد ترقب لما سيحمله المبعوث الأممي جمال بنعمر إلى صنعاء من حصيلة مفاوضاته مع زعيم الحوثيين، في وقت أفادت مصادر حكومية ضمن الوفد المرافق لبنعمر عن «التوصل إلى مسوّدة اتفاق شامل لحل الأزمة، ستوقّعها في صنعاء الأطراف السياسية، في حضور ممثلين عن جماعة الحوثي».