يعتبر ملف التركيبة السكانية في الدولة وما يرتبط به من قضايا كثيرة متداخلة ومعقدة بين الجانب الإنساني والسياسي والقانوني والوطني، ملفا بالغ الحساسية لارتباطه بطبيعة الإمارات التي تعتبر ضمن أعلى الدول في العالم استضافة للعمالة، وفئة "البدون"، وسحب الجنسيات، وغيرها من سياقات ومسارات أمنية باتت تتحكم في المشهد الإماراتي ككل. فما هي المراسيم الثلاثة التي شرعت أبواب هذه القضية، وما هي تساؤلات الإماراتيين وتخوفاتهم جراءها رغم تسليمهم بصحة هذه المراسيم قانونيا؟!
المراسيم الثلاثة
نشرت صحيفة "البيان" المحلية الجمعة (3|11) ما قالت إنه مرسوم بقانون اتحادي رقم (16) لسنة 2017م لتعديل أحكام قانون الجنسية وجوازات السفر. ونص التعديلات: "لرئيس الدولة أن يصدر مرسوم الجنسية بحكم القانون أو منحها بالتجنس لأي شخص دون التقيد بمدد الإقامة والشروط المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون ولائحته التنفيذية، ويجوز منح الجنسية لأي شخص قدم خدمات جليلة للدولة دون التقيد بمدد الإقامة المنصوص عليها في المواد السابقة".
كما انتزع المرسوم من وزارة الداخلية و وزير الداخلية سيف بن زايد صلاحية مباشرة قضايا الجنسية والإقامة، ومنحها لصالح "الهيئة الاتحادية للجنسية والإقامة".
وفي (19|9) الماضي، صدر أيضا المرسوم الاتحادي رقم 117 لسنة 2017 بتشكيل مجلس إدارة الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية. ونص على تشكيل مجلس إدارة «الهيئة» برئاسة علي محمد بن حماد الشامسي، وعضوية طلال حميد بالهول، نائباً للرئيس، وممثل عن كل من وزارات شؤون الرئاسة والداخلية وشؤون مجلس الوزراء والمستقبل، وجهاز أمن الدولة والهيئة العامة لأمن المنافذ والحدود والمناطق الحرة.
وعلي بن حماد الشامسي هو نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن الوطني منذ 2014، أما طلال بالهول، فهو مدير عام أمن الدولة في دبي منذ مارس الماضي. وبالإضافة لممثل عن جهاز أمن الدولة في هذه الهيئة، فإن غالبية أعضائها إلى جانب رئيسها ونائبه هم ممن ينتمون للمؤسسة الأمنية ولجهاز أمن الدولة تحديدا.
أما المرسوم الاتحادي رقم " 3 " لسنة 2017 الصادر في (22|8) الماضي فقد قضي بتحويل هيئة الإمارات للهوية، إلى "الهيئة الاتحادية للجنسية والإقامة".
وبموجب المادة /2/ من هذا المرسوم، تكون الهيئة "مسؤولة عن رسم السياسة المتعلقة بذلك (الجنسية والإقامة) وضمان تنفيذها وفقا لأحكام هذا المرسوم بقانون والقوانين والأنظمة والقرارات النافذة بالدولة".
الاعتبارات القانونية للمرسوم
من حيث الأساس القانوني لهذه التعديلات، فهي سليمة قانونيا، بموجب الدستور. فقد نصت المادة (113) من الدستور، "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد المجلس الأعلى، ما يوجب الإسراع على إصدار قوانين اتحادية لا تحتمل التأخير فلرئيس الاتحاد ومجلس الوزراء مجتمعين إصدار ما يلزم منها وذلك في شكل مراسيم لها قوة القانون بشرط ألا تكون مخالفة للدستور".
ومع ذلك، فإن هذا المرسوم صدر أثناء انعقاد أدوار المجلس الوطني وليس خلالها (أي الإجازات وما شابه). فقد افتتح نائب رئيس الدولة الشيخ محمد بن راشد دور الانعقاد في (25|10) فيما صدر المرسوم في (3|11) أي بعد نحو 10 أيام من افتتاح الدور البرلماني.
كما تساءل ناشطون، عن مدى تحقق صفة "وجوب الإسراع" و "لا تحتمل التأخير" الواردة في المادة الدستورية، وإن كانت على سبيل الشرط أم التوصية فقط؟!
وفيما اعتبر ناشطون أن هذين الشرطين غير متوافرين، تساءلوا: لماذا لم يترك مسودة القانون للمجلس الوطني من البداية، ما دام أن عمله هو الأصل، والاستثناء "الإسراع ولا تحتمل التأجيل".
الاعتبارات السياسية والأمنية للمرسوم
مهما يكن من أمر، فإن صحة المرسوم قانونيا هي تحصيل حاصل. ولكن الاعتبارات السياسية والأمنية هي التي أثارت تساؤلات الإماراتيين.
فقسم كبير منهم يطرح مسألة ملف البدون، وضرورة أن يتم الإسراع في حله لتجنيب هذه الفئة المزيد من المعاناة الإنسانية والحقوقية المستمرة منذ عقود.
كما طرح قسم أوسع من الإماراتيين، ملف سحب الجنسيات الذي طال عددا متزايدا من الإماراتيين منذ سحب جنسية 7 من الأكاديميين والمثقفين الإماراتيين عام 2012، لتوقيعهم عريضة الثالث من مارس 2011، ولجوئهم للقضاء الذي رفض البت في قضيتهم على اعتبار أن سحب الجنسية من "الأوامر السيادية والعليا" على حد تعبير وزارة الداخلية آنذاك والتي رفضت أيضا إبراز مرسوم مزعوم ادعت أنه يسحب جنسيات هؤلاء السبعة.
لذلك، اعتبر مواطنون أن المرسوم الجديد تجاهل حق المسحوبة جنسيتهم من الطعن والتظلم قضائيا على قرارات السحب التي تصدر بقرارات إدارية أمنية وليست قضائية. وهو الأمر الذي أثار مطالب ملحة بضرورة أن يرهن المرسوم عدم سحب جنسية أي مواطن في الأساس إلا بموجب حكم قضائي بات صادر عن أعلى هيئة قضائية في الدولة، في حال الإصرار على استخدام عقوبة نزع الجنسيات من الإماراتيين، رغم أنها عقوبة منبوذة ومرفوضة على جميع الصعد والمستويات، وترقى لمرتبة التحريم الوطني والسياسي ولا سيما إذا كان المعاقبون بسحب الجنسية من الناشطيين الوطنيين وناشطي المجتمع والشأن العام.
وتساءل الإماراتيون أيضا، بشأن تعريف "خدمات جليلة" التي سيتم بموجبها تحديد من يستحق الجنسية من عدمه، وما هي الاعتبارات لتحديد ذلك.
كما تخوف إماراتيون من أن يفتح المرسوم بابا واسعا لمطالبات ملايين من العمالة غير العربية بالحصول على الجنسية، كون كل مقيم يعتبر أنه قدم خدمات "جليلة" للدولة، وهو أمر جدلي وشخصي إلى حد بعيد.
ناشطون أيضا، تخوفوا من أن يكون باب التجنيس، أداة سياسية وأمنية كما اتخذتها دول مجاورة لتغيير تركيبتها المذهبية أو الطائفية أو القومية، كما هو الحال في البحرين أو لبنان.
من أجل كل هذه الاستدراكات، يعتقد إماراتيون أنه كان من الأولى التمهل في فتح هذا الباب، ومنح المجلس الوطني فرصة كافية، ووسائل الإعلام والشعب الإماراتي أن يطلق نقاشا مجتمعيا معمقا يخلص فيه إلى استنتاجات وتوصيات ثم تشريعات ليست قانونية فحسب، وإنما تراعي الاعتبارات الأخرى كافة، وهو ما ليس متوفرا الآن، جراء العديد من التساؤلات والمخاوف الأمنية والسياسية والاجتماعية والوطنية المطروحة.