شكلت الأحداث المؤسفة التي شهدتها مباراة القمة بين فريقي النادي الأهلي و نادي العين في اللقاء المؤجل بينهما من الجولة الثالثة من الدوري الإماراتي، صدمة لدى المجتمع الإماراتي لما تضمنته تلك المباراة من أحداث غير مألوفة ولا تتناسب مع قيم وأخلاق الشعب الإماراتي وبما يخالف الروح الرياضية التي يفترض أن تسود في مثل هذه الفعاليات الرياضية.
ما شهدته هذه المباراة من أحداث شغب بين مشجعي الفريقين واعتداء حارس فريق الأهلي ماجد ناصر على مهاجم فريق العين كايو فرنانديز، و ما قام به لاعبون من الإساءة للمشجعين وعدد من اللاعبين والإداريين للفريق المنافس، دفع المختصين للمطالبة بإجراءات عاجلة وسريعة لمواجهة مثل هذه الحوادث غير المألوفة في ملاعب الإمارات، في انتظار أن تؤتي برامج" التسامح" التي أعلنت عنها الجهات الرسمية أكلها ونتائجها لا سيما في ظل اعتماد العام الحالي "عام الخير" بحسب ما أعلنه رئيس الدولة .
ومن المعلوم أن ممارسة الرياضة في حاجة دائمة إلى الالتزام بالقانون العام ، وهي في حاجة إلى قوانينها الخاصة المنظمة، كما أنها بحاجة إلى الأخلاق الحميدة واحترام الأعراف والتقاليد والقواعد والأنظمة الرياضية، فالرياضة سبقت ظهور الدول ولذلك فإن ارتباطها بالعرف الاجتماعي وثيق، ولا بد من المحافظة على التوازن بين المنافسة التي تولد عادة الحماس والانفعال وبين احترام قواعد اللعبة وأنظمتها والقوانين العامة.
ويرى تربويون أن حوادث شغب الملاعب تعتبر أحياناً انعكاسا للواقع الاجتماعي وما يعايشه من أحداث بما يؤثر سلباً شريحة الشباب التي تستمد اخلاقياتها وسلوكياتها من سلبيات تلك الثقافة ومن الثقافات المستوردة إعلاميا، فيما يمكن ضبط تلك الظاهرة والحد من سلوكيات مرتكبيها وذلك باتباع الأساليب التربوية وزيادة فعالية وسائل الضبط الاجتماعي والوسائل التربوية المتعددة والأخذ على يد المشاغبين وتفعيل دور الأمن والقانون.
الرد الرسمي رادعا وحاسما
الرد الرسمي على أحداث مباراة الأهلي – العين جاء حاسماً وسريعاً لتطويق سوء السلوك الرياضي من كلا الفريقين حيث فرضت لجنة الانضباط بالاتحاد الإماراتي لكرة القدم جملة من العقوبات على ناديي أهلي دبي والعين، حيث أعلنت لجنة الانضباط إيقاف حارس الأهلي ماجد ناصر ثلاث مباريات، فضلاً عن تغريمه 200 ألف درهم؛ لينال بذلك العقوبة المالية "الكبرى".
كما طالت العقوبة ثنائي أهلي دبي سالمين خميس وخميس إسماعيل ، وتم إيقافهم لـ3 مباريات متتالية؛ مع تغريم كل منهما مبلغاً مالياً قدره 40 ألف درهم؛ بعد الحركات التي قاما بها لجماهير العين، إضافة إلى 10 آلاف درهم فرضت كغرامة مالية على إدارة الأهلي؛ بسبب سلوك الجماهير والأنصار.
في الجهة المقابلة، عوقب لاعب العين محمد عبد الرحمن، الذي بصق على أحد لاعبي وإداريي الفريق المنافس، بغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم، بجانب الإيقاف عن اللعب ثلاثة لقاءات، في حين نالت إدارة النادي نصيبها من الغرامات المالية بـ100 ألف درهم؛ بسبب سلوك المشجعين والجماهير.
كما أصدر الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي قرارا أعفى بموجبه رئيس وأعضاء مجلس إدارة النادي الاهلى في دبي من العضوية في النادي والشركات التابعة له أو الخاضعة لإشرافه وحل مجلس إدارة النادي ، مع تشكيل لجنة مؤقتة لإدارة وتنظيم شؤون النادي وشركة الاهلي لكرة القدم وكافة الاصول والاستثمارات التابعة لهما على أن يتولى رئيس اللجنة تحديد مهام وصلاحيات الأعضاء، فيما حدد القرار مدة عمل اللجنة بستة أشهر قابلة للتمديد.
تفاوت تقييم الجمهور للعقوبات
وفيما رحبت عدة جهات بما صدر من عقوبات صارمة بحق المتجاوزين خلال المباراة ، اعتبر رياضيون و مشجعون أن ما تم فرضه من عقوبات بين لاعبي الفريقين لم يكن متساوياً، حيث عقدوا مقارنة بين العقوبة التي فرضت على اللاعب ماجد ناصر بالإيقاف ثلاث مباريات وغرامة 200 ألف درهم إثر " نطحه " لاعب فريق العين ، وعقوبة لاعب فريق العين اسبريلا الذي قام بخنق مدافع الوصل، حسن زهران، وأوقف مباراة واحدة فقط.
كما نشرت مقارنة بين حالة "بصق" ماجد ناصر، التي نال فيها عقوبة الإيقاف ستة أشهر والغرامة 150 ألف درهم، وحالة بصق محمد عبدالرحمن التي عوقب فيها، أخيراً، بالإيقاف ثلاث مباريات والغرامة 50 ألف درهم.
من جهته دعا عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة السابق، الدكتور سليم الشامسي، إلى عدم التشكيك في نزاهة لجنة الانضباط باعتبارها لجنة محايدة، وأن العقوبات التي تصدرها أي لجنة قضائية، خصوصاً لجنة الانضباط، تعتمد بالدرجة الأولى على تقرير حكم ومراقب المباراة، وهي بدورها تتخذ العقوبات والمخالفات الانضباطية التي تراها مناسبة وفقاً للوائح الموجودة أمامها.
تفعيل أخلاقيات الرياضة
وتأتي حادثة مباراة فريقي الأهلي دبي والعين لتسلط الضوء على تصريحات المسؤولين خلال المؤتمر الدولي الخامس «الرياضة في مواجهة الجريمة» الذي عقد بدبي العام الماضي من أن دولة الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في القضاء على شغب الملاعب ومنع وقوعه عبر التشريعات القوية وفهم قوات الأمن لطبيعة جمهور الملاعب، إضافة إلى إطلاق المنتديات والمؤتمرات الدولية والعالمية ومناقشة كافة المستجدات على الساحة الرياضية بما يحقق الاستفادة القصوى للدول والباحثين المشاركين.
لذا فالمجتمع بحاجة إلى تفعيل ما خرج به ذلك المؤتمر من عشرات التوصيات منذ انطلاقه، و تنفيذها على أرض الواقع، بحسب ما أكد عليه العقيد جاسم خليل ميرزا مدير إدارة التوعية الأمنية بالإدارة العامة لخدمة المجتمع في شرطة دبي الذي أكد انعدام أي بلاغات حول شغب الملاعب العام الماضي نتيجة ما وصفه بالإجراءات الرادعة والوقائية والتوعوية من قبل الجهات المختصة في الدولة.
والمجتمع أحوج ما يكون إلى ترسيخ مفاهيم التسامح بين أبناءه بحيث ينعكس ذلك في مختلف المجالات سواء في المجالات الرياضية والثقافية والإنسانية والسياسية بما يعكس وجهاً مشرقاً للدولة أمام المجتمع الدولي، حيث لا تزال ثقافة التسامح غائبة من قبل الجانب الرسمي تجاه قضايا حقوق الإنسان والناشطين الحقوققين والتسامح مع قضايا حرية الرأي والتعبير.