نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعده مراسلها الصحافي جيمس ماكولي، تقول فيه إن الغضب الشعبي الذي أعقب الهجمات الإرهابية الكبيرة التي تعرضت لها مدن فرنسية، أجبر السلطات الفرنسية على الرد، مستدركة بأن مقترحا محددا أثار الجدل، هو إغلاق عدد من المساجد، ووقف الدعم الأجنبي لها.
ويقول ماكولي إن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس دعا الشهر الماضي، وبعد أسابيع من هجوم مدينة نيس، إلى منع الدعم الأجنبي للمساجد في فرنسا "وفي وقت سيعلن عنه لاحقا"، وأعلن وزير الداخلية برنارد كازانوف بعد أيام أن وزارته قامت بعدد من الخطوات المهمة، حيث كشف عن أنه تم إغلاق 20 مسجدا سلفيا منذ ديسمبر.
ويورد التقرير، أن كازانوف علق بعد لقائه قادة مسلمين، قائلا: "لا مكان في فرنسا لمن يدعون في قاعات الصلاة أو المساجد إلى الكراهية، أو يحرضون عليها"، مشيرا إلى أن تصريحات الوزير الفرنسي بالنسبة للمسلمين كانت تحمل تلميحات واضحة، وهي أن المساجد هي مركز تأهيل الإرهابيين.
وتنقل الصحيفة عن مدير التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا مروان محمد، قوله إن كلام الوزير "يوحي بأن المساجد تؤدي دورا في الإرهاب، وهذه طريقة جديدة لجعل الإسلام إشكاليا مرة أخرى"، لافتا إلى أن عدد أماكن الصلاة للمسلمين في فرنسا يبلع حوالي 2500، ما بين مسجد ومصلى.
ويستدرك الكاتب بأنه رغم التغطية الإعلامية المكثفة للموضوع، إلا أن الأسئلة حول الدعم الأجنبي للمساجد، خاصة من اليمين المتطرف، المتمثل بالجبهة الوطنية، جعلت الكثيرين يتساءلون عما إذا كانت الممارسة موجودة حقيقة، كما تم تقديمها بشكل مستمر، خاصة في بلد لديه سياسات، وبنية قوية لمواجهة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب منذ عام 1990.
ويلفت التقرير إلى أنه وفقا لتقرير أعدته لجنة برلمانية، وصدر الشهر الماضي، فإن نصيب الأسد من التبرعات للمساجد يأتي من أفراد داخل فرنسا، وليس من الحكومات الأجنبية، ويشير تقرير اللجنة إلى أن معظم الدعم الخارجي جاء من المغرب والجزائر، حيث أرسل الأول 6 ملايين يورو، فيما أرسلت الثانية مليوني يورو هذا العام، مستدركا بأن نتائج التقرير طرح، كما يقول معدوه، الطبيعة البنيوية للمشكلة.
وتذكر الصحيفة أنه في بلد ذي طابع علماني قاس، فإن الكنائس والمعابد اليهودية والمساجد لا تتلقى دعما من الدولة، مشيرة إلى أنه لذلك فإن المؤسسات الدينية تلجأ للحصول على دعم الأفراد والجمعيات الخيرية، وهو شكل من أشكال الدعم الذي يشجع الدول الأجنبية.
ويورد ماكولي نقلا عن تقرير اللجنة، قوله: "هناك رغبة بتنظيم الإسلام في فرنسا من جهة؛ من أجل تحقيق سيطرة أكبر عليه، ومن جهة أخرى لا يمكن المس بالإسلام بناء على قانون 1905، ومن هنا، فإن المعادلة غير قابلة للحل"، لافتا إلى أن قانون 1905 صدر بعد الجدل الذي أثارته قضية دريفوس، الأمر الذي أدى إلى الفصل بين الدين والدولة في فرنسا.
وينوه التقرير إلى أن تقرير اللجنة تضمن توصيات للحكومة بوضع أساس قوي، تقوم من خلاله الحكومة بالسيطرة على الدعم الأجنبي للمساجد الفرنسية، وقالت النائبة ناتالي غوليه، التي شاركت في إعداد التقرير، إن الهدف "ليس منع التمويل الفرنسي، لكن جعله مشروطا وأكثر شفافية".
وتبين الصحيفة أن الحكومة أعلنت عن إنشاء مؤسسة للعمل الإسلامي، التي ستقوم بعمل ما اقترحته اللجنة، والإشراف على تدريب الأئمة الذين ولدوا في الخارج، وأعلنت الحكومة أيضا أن رئيس المؤسسة الجديدة سيكون غير مسلم، وهو وزير الداخلية السابق جين بير شيفنمينت (77 عاما).
وبحسب الكاتب فإن مروان محمد يرى أن القرار يعبر عن "إهانة مزدوجة" للمسلمين الفرنسيين، وقال إن الإهانة الأولى هي أنهم اختاروا رجلا لا يمثل شيئا للمسلمين الفرنسيين، ويضيف: "إنهم مثل من يقوم بمصادرة الرأي الإسلامي"، مشيرا إلى أن الإهانة الثانية هي أن "القرار يفيد بأن أيا من مسلمي فرنسا، البالغ عددهم 4 ملايين نسمة، ليس مؤهلا لتسلم هذا المنصب، ورغم الثراء في عدد السكان، فلا أحد منهم، رجلا كان أم امرأة، مؤهل".
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالقول إن "4 ملايين مسلم هو تقدير متواضع، خاصة أن الدولة الفرنسية لا تشمل الدين والعرق في تعداد السكان، وهناك من يرى أن عدد المسلمين يصل إلى 5 ملايين نسمة، ما يجعلهم أكبر تجمع مسلم في أوروبا".
ويستغل نظام السيسي ودول خليجية ذرائع مكافحة الإرهاب لتحريض أوروبا ليس على الفكر المتطرف والعنيف الذي ترفضه غالبية ساجقة من المسلمين وإنما للتحريض على الإسلام الوسطي وذلك في سياق صراعها مع الناشطين العرب الذين قادوا الربيع العربي والذي أفرز الإسلام الوسطي كقائد ومعبر عن اختيارات الشعوب وطموحاتها، على حد وصف ناشطين مؤيدين للربيع العربي ومناهضين لأنظمة القمع في المنطقة.