انشغل الأردنيون على المستوى النخبوي والشعبي والإعلامي بمحاولة فهم أسباب مغادرة وزير الداخلية الأسبق سلامة حماد فجأة للحكومة.
فبحسب تقرير لصحيفة "القدس العربي"، فإن الجميع في البلاد «صفّق» لأداء الرجل خلال الأشهر القليلة التي تربع فيها على كرسي الوزارة السيادية الأولى.
الوزير المستقيل أو المقال سلامة حماد كان قد تسلم حقيبة الداخلية منذ أشهر عدة فقط، وخلال أسابيع قليلة برز كقوة مركزية مدعومة وبقوة وقادرة على الفعل والتغيير في معادلة الواقع الأمني بطريقة يقدّرها الجميع.
بعد أيام فقط من تسلمه الوزارة نجح حماد وبصورة لافتة في التعاطي بصورة ديناميكية مع الوضع الأمني المتردي في مدينة معان جنوبي البلاد، وهو الوضع الذي قيل علناً بأن سلفه الجنرال حسين المجالي قد غادر وظيفته بسببه.
لاحقاً وبعد أقل من أسبوعين لوحظ بأن الوزير حماد يشكّل «مركز ثقل» وهو يحضر سلسلة من «الاجتماعات والمناسبات» بين الملك عبد الله الثاني وممثلي ووجهاء المحافظات، فيما يتقدم الصفوف بدون حضور رئيس الوزراء نفسه للكثير من هذه المقابلات المباشرة.
النخبة السياسية كانت ترصد الاتجاهات المعاكسة والمتعاكسة بين وزير الداخلية ورئيس الحكومة في صورة لم يسبق لها الصمود في الحالة الأردنية، خصوصاً وأن أي قرار من أي نوع لا ينفذ دستوريا إلا بتوقيع الرجلين عليه وهو الوضع الذي يجعل وزير الداخلية في مركز قوة أصلاً في الأردن.
الوزير حماد أقر بأن رئيس الحكومة لا يشاوره كثيراً، وألمح الى أن أجندة عمله مرتبة مع بقية أجهزة الدولة. واستعرض الجهود الجبارة التي دعمها شخصياً لتقليص عدد قائمة «المطلوبين الخطرين جداً» بحيث أصبحت وخلال فترة عمله فقط تضم 42 اسماً من أعتى المجرمين ومروعي المجتمع المسلحين بعدما كانت تضم 280 شخصاً على الأقل.
تحدث حماد مراراً وتكراراً عن استعادة هيبة الدولة، وعن ضرورة «تنظيف» بعض مظاهر الفساد الإداري في المؤسسات التابعة لوزارته وعن مشكلة تكلس وضعف الحكام الإداريين وحاجة الوزارة لعملية تطوير سريعة.
موقفه بالصدام مع الإخوان
في ملف «أبناء الأردنيات» كان الوزير حماد متفاعلاً مع لجنة المبادرة البرلمانية، وفي مسألة الإخوان المسلمين لم يكن متحمساً جداً لمواجهتهم واستهدافهم بل استقبل مرتين على الأقل رموزهم في مكتبه وهي نقطة ينبغي التحوط لها عند محاولة فهم أسباب ومبررات مغادرة الوزير حماد.
تحدث الوزير عن «إصلاحات متدرجة» وعن خمول واضح في مواجهة مشكلة في غاية الخطورة ومقلقة جداً اسمها التوسع في انتشار المخدرات على مستوى الترانزيت والتعاطي.
مشروع سعودي السبب المباشر
وفي ضوء عدم وجود سيناريو متكامل يوضح أسباب مغادرة الوزير سلامه حماد في الأردن تشكلت بعض المعطيات التي تربط المسألة بإخفاق مشروع استثماري ضخم في مجال العمل التلفزيوني كانت مجموعة قنوات «إم بي سي» تتحرك لإقامته في عمان العاصمة لكنها تراجعت في اللحظات الأخيرة بسبب «تعقيدات أمنية» فرضتها وزارة الداخلية.
«أم بي سي» كانت قد قررت نقل برامجها الضخمة مثل «ذا فويس» و»آراب أيدول» إلى عمان من بيروت بعد الخلافات السعودية – اللبنانية الأخيرة، وحصلت على «مباركة» لمشروعها الجديد في الأردن من العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني شخصيا.
لاحقا رفضت الداخلية منح طاقم «كوافيرات» وخبراء تجميل إيرانيين الإقامة الدائمة وحصلت تعقيدات في إقامة المشروع تحدث عنها في اتصالات ولقاءات ورسائل مكتوبة لممثل «أم بي سي» في عمان الإعلامي العريق سعد السيلاوي.
رجل أعمال أردني قال "للقدس العربي" إنه حصل على شيك بقيمة مليون ونصف مليون دولار من إدارة «أم بي سي» نظير خدمات قدمها لإقامة استديو ضخم في عمان قبل تعطل المشروع بسبب التراخيص والتعقيدات البيروقراطية.
ملف برامج «أم بي سي» يمكنه تفسير الاستقالة المفاجئة للوزير حماد مع غياب أسباب وجيهة سياسيا وبالتزامن مع إنجازات أمنية يقر بها الجميع. ومن المرجح أن الرئيس عبد الله النسور «اقتنص» فرصة التعديل الوزاري وتخلص من الوزير حماد الذي لم تتوفر له الحماية لحظتها بسبب ملف استثمارات أم بي سي.
ويعاني الأردن عدة أزمات أمنية داخلية بفعل "تنمر" جهاز المخابرات على الحركة الإسلامية وقيامه بتصفية حسابات مبيتة بين الجانبين إلى جانب رعايته عددا من بوادر الانشقاق مثل مبادرة "زمزم" أو ما يقوم به المنشق عن الجماعة عبد المجيد ذنيبات الذي يقف في صفوف جهاز المخابرات ضد أكبر حركة سياسية أردنية، كان لأربعين عاما عضوا فيها ثم مراقبا عاما لها لسنوات.