بحسب تقرير للمنظمة الدولية في ديسمبر الماضي، تصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى عربياً في مكافحة الفساد بينما حلت في المركز 25 عالمياً من إجمالي 175 دولة. ديوان المحاسبة ورغم القيود على رقابته التي لا تشمل كل المؤسسات الاتحادية ولا حتى المحلية، ورغم مفهوم الفساد الضيق أثار عدة قضايا فساد طالت نحو مليار درهم، فهل هذا كل شئ، وماذا لو تم توسيع مفهوم الفساد؟
ديوان المحاسبة يثير قضايا مالية
بغض النظر عن الدوافع المباشرة لديوان المحاسبة في تحريك نحو 20 قضية مالية، إن كان في إطار مكافحة الفساد أو لتوفير بعض الأموال من خلال استرداد ما تم الاستيلاء عليه بطرق غير مشروعة لتعويض انخفاض أسعار النفط، فقد أكد حارب بن سعيد العميمي رئيس ديوان المحاسبة، أن الديوان حول إلى النيابة العامة ما يزيد على 20 قضية مالية تخص الجهات الاتحادية، تضمنت جرائم جزائية مختلفة: كالسرقة والرشوة والتربح والتزوير والاختلاس والاستيلاء على المال العام، وذلك عن العام 2014، إذ بلغ إجمالي الأموال المتضررة ما يزيد على 250 مليون درهم.
وقال، لقد بلغ إجمالي الأموال التي طالب الديوان باستردادها في نفس الفترة، ما يزيد على مليار درهم تم صرفها بطرق وأساليب تخالف التشريعات والنظم المقررة لاستخدام وإدارة الأموال العامة في القطاع العام، وبلغت الأموال المستردة فعلا ما يصل إلى 220 مليون درهم ومازال الديوان يتابع استرداد المبالغ المطلوبة».
وأضاف: إن الديوان يقوم بممارسة اختصاصاته الرقابية على الجهات الاتحادية الخاضعة لرقابته وفق الدستور والتشريعات والأطر القانونية المقررة وتتخذ رقابة الديوان عدة أشكال، منها: المالية والأداء والإلكترونية، كما تشمل السجلات المالية والحسابات والقوائم المالية للجهات الخاضعة للرقابة بما في ذلك حساباتها الختامية.
ما وراء ديوان المحاسبة
وفق ما صرح به العميمي، فإن القضايا التي أثيرت هي قضايا خاصة بالجهات الاتحادية لا الجهات المحلية نظرا لطبيعة ولاية الديوان التي لا تصل رقابته إلا إلى بعض الجهات الاتحادية وليس كلها.
فالفساد المالي والجرائم الواقعة على المال لا توجد فقط في المؤسسات الاتحادية وإنما قد تقع أيضا في المؤسسات المحلية ذات الميزانيات الهائلة والضخمة والتي يمكن ارتكاب جرائم مالية مختلفة فيها دون أن يتم اكتشافها، وهي ما تسبب النزيف الحقيقي للاقتصاد الوطني.
فمبلغ 250 مليون درهم أو حتى مليار درهم لا يعتبر مبلغا كبيرا مقارنة مع مؤسسات محلية ميزانيتها عشرات المليارات في حين ميزانية الدولة بكاملها يناهز ال48 مليار درهم فقط.
فإما أن يكون حجم الفساد والجرائم المالية في المؤسسات الاتحادية "قليل" نسبيا أو أن هناك جرائم واقعة على المال لم تتكشف، كون مبلغ 250 مليون درهم ليس مؤشرا كافيا على فساد مالي خطير.
مكافحة الفساد بتوسيع مفهوم الفساد
يمكن لديوان المحاسبة أن يوقف الاعتداء على المال العام سواء بقصد توفير أكبر قدر ممكن من المال لمواجهة انخفاض أسعار النفط أو بقصد مكافحة الفساد فعليا، وذلك بعدم استثناء الدستور والقوانين الإماراتية أي مؤسسة أو جهة في الدولة من الرقابة والمساءلة.
فأكبر مبرر كان لعدم شمول ديوان المحاسبة لبعض المؤسسات هو أن بعضها متعلق بالإنفاق على التسليح كونه أمن قومي يتمتع بخصوصية، وهذا المبرر لم يعد عذرا بعد أن أعلنت ميزانية 2016 أن مخصصات الدفاع في الدولة لهذا العام نحو 7 مليارات درهم.
كما يجب توسيع مفهوم مكافحة الفساد لتشمل سوء التخطيط أو الهدر حتى ولو لم يكن بدافع الفساد. فمثلا، مشروع 2020 الذي أعلنته وزارة التربية والتعليم عام 2000 بخصوص تطوير قطاع التعليم في الدولة، وألغي عام2005 كونه " غير صالح" وكلف مرحلته الأولى ضعف التكلفة المقررة له بنسبة 100%، وفقا لتصريحات سابقة لوزير التعليم السابق الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، عن وزارة عبد العزيز الشرهان. فهذا هدر أموال لا بد أن يكون عليه مسؤولية أخلاقية على الأقل، كما أن مصروفات أخرى كثيرة في الدولة تعتبر إهدارا للمال العام ولكن لا يشملها مفهوم مكافحة الفساد أو لا ولاية لديوان المحاسبة عليه.