اختارت الرياض أن تدخل والمنطقة عام 2016 بحدث كبير يتطلب مواقف واضحة ومحددة لا لبس فيها قد ينعكس هذا الحدث على عموم الشرق الأوسط في حالة الفشل في إحتوائه بالسرعة والطريقة المناسبة. فإعدام نمر النمر وآخرين لم يكن حدثا عابرا بالنسبة لإيران ومليشياتها في المنطقة على الأقل. فكيف تنظر العواصم القريبة أو البعيدة نسبيا عن الرياض لهذا الإعدام، وهل المواقف الإعلامية والمعلنة تعكس حقائق المواقف؟ ولماذا سارعت أبوظبي والمنامة لتأييد جميع الإجراءات التي تتخذها السعودية في محاربة الإرهاب في حين لم يصدر حتى الآن أي رد فعل أو موقف من جانب العاصمتين الأكثر قربا راهنا للرياض؟
مواقف أبوظبي والمنامة
حتى ما قبل عام من تولي الملك سلمان الحكم في السعودية، كانت الرياض والمنامة وأبوظبي صوتا واحدا إلى جانب القاهرة في مواقف سياسية واحدة ومعلنة، وخاضت الدول الثلاث أزمة سحب السفراء من قطر بسبب موقفها من الانقلاب في مصر.
ولكن ومنذ عام، ابتعد الملك سلمان نسبيا عن توجهات أبوظبي فتراجعت الضغوط على قطر بصورة كبيرة وهو الأمر الذي عبرت عنه أبوظبي بمواقف سياسية مخالفة للسعودية مثل تأييدها للغزو الروسي لسوريا أو معارضتها لتقارب الرياض وأنقرة. ومع ذلك، فقد ظل الخطاب الإعلامي الرسمي للإمارات بدون تغيير يذكر وخاصة بعد عاصفة الحزم، في حين أن المنامة لا تستطيع فضلا عن كونها لا ترغب أن تخالف الرياض في قضية تتعلق بإيران والشيعة تحديدا كونها تواجه ذات المشكلات والتحديات التي تواجهها السعودية من المنطقة الشرقية.
لذلك، سارعت المنامة لإعلان تأييدها الفوري لأي خطوات تتخذها الرياض ضد "الإرهاب" وأي موقف تتخذه لصالح أمنها واستقرارها مع التنديد بإحراق مخربين إيرانيين القنصلية السعودية واقتحام السفارة في طهران، كما انتقدت البحرين تصريحات إيران الاستفزازية ضد السعودية على خلفية الإعدام.
أما أبوظبي فإن مواقفها الإعلامية وكما يرى ناشطون أنها تعبر عن "اقتناص" أي مسألة يمكن أن تتقاطع فيها ولو إعلاميا مع السعودية كالموقف من إيران. فالسفارة السعودية في أبوظبي هي التي رصدت العام الماضي زيارة سرية لوزير الخارجية عبدالله بن زايد لطهران ضمن مساعي الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على طهران.
ومع ذلك، يستبعد ناشطون أن يكون هدف أبوظبي هو توريط السعودية في صراع مع إيران في هذه المرحلة، كون إيران هي عدو دول الخليج، وأن أبوظبي في مداهنتها لطهران إنما بسبب عدم الرغبة في الصدام معها وليس لوجود توافق بينهما. ويدعم محللون ذلك، بما تقوله أحيانا تسريبات إعلامية غربية من أن أبوظبي ترى في إيران والإخوان عدوا وليس فقط أحدهما.
لذلك يرجح المراقبون أن يكون تسارع أبوظبي في إعلان تضامنها مع الرياض في إطار البحث عن توافقات وليس في إطار إشعال الموقف.
الدوحة وأنقرة.. الصمت لا يزال قائما
جاء تنفيذ حكم الإعدام بعد أقل من 48 ساعة من انتهاء زيارة للرئيس التركي أردوغان للرياض تم خلالها الإعلان عن تدشين مجلس "تعاون إستراتيجي" بين البلدين. فهل تدارس الزعيمان الكبيران سلمان - أردوغان مسألة الإعدامات؟ على الأرجح أنه لم يتم مناقشة مسألة داخلية سعودية على هذا المستوى الكبير ولكن بلا شك أن لقاء الزعيميين كان داعما معنويا للمضي قدما في تنفيذ الإعدمات، كون الرياض ليست من السذاجة أن تخطو خطوة كهذه دون النظر في توقيتها وتداعياتها.
ومع ذلك فلم يصدر حتى الآن عن أنقرة أي موقف رسمي. قد يكون السبب المباشر والسطحي أن يومي السبت والأحد هما يوما العطلة الأسبوعية في تركيا سبقه يوم إجازة رسمية بمناسبة رأس السنة، وسبقه أيضا الخميس إجازة بسبب الأحوال الجوية التي شلت معظم مرافق الحياة في تركيا.
ومع ذلك، كان من الممكن إعلان موقف تركي رسمي، ولكن لم يحدث. ناشطون يعتبرون أن دور تركيا بما لها علاقات اقتصادية مع إيران وبما لها علاقات استراتيجية مع السعودية يمكن أن تلعب دور الوسيط لتفادي أزمة أكبر ما يتطلب من تركيا عدم الخوض في أية مواقف قد تؤثر على أي تهدئة تقوم بها. ففي النهاية ليس المطلوب أن تندلع حرب في المنطقة من أجل إعدام شخص أو مئة. وبعد الأزمة الروسية التركية، المزود الأول بالغاز لأنقرة، وإيران هي المزود الثاني بالغاز ليس من الحكمة أن تكون هناك مواقف يكون أثمانها أكبر بكثير من الأزمة برمتها والتي يعتقد مراقبون أنها في طريقها للاحتواء خاصة أن إيران هذا أقصى ما يمكن أن تذهب إليه من أجل الشيعة العرب الذين تستخدمهم في مناكفة دول الخليج دون اكتراث حقيقي بهم. وفوق ذلك أن الرياض لا تزال تلتزم الصمت في الأزمة بين تركيا وروسيا على خلفية إسقاط أنقرة المقاتلة الروسية في نوفمبر الماضي. أي ليس بالضرورة أن يصدر إزاء أي أزمة أو مشكلة موقف من الطرف الآخر.
أما بالنسبة لقطر، فهي مكتوفة الأيدي بسبب اختطاف مليشيات شيعية عراقية أكثر من 20 مواطنا قطريا منذ الشهر الماضي دون معرفة مصيرهم أو أن يعترف أحد باختطافهم، وسلامة هؤلاء أهم بكثير من بيان "تأييد وتضامن" قد تكون أهدافه إعلامية أكثر من كونها حقيقية.
ومع ذلك، فإن الساعات القادمة سوف تحمل موقفا قطريا وتركيا محددا حول المشكلة الأحدث في 2016، كما يرجح محللون.