شارك وفد إماراتي رسمي إلى جانب شخصيات قيل إنهم ممثلون عن "المجتمع المدني" في الإمارات رغم أن هذا "المجتمع" يعاني إضعافا وتهميشا حكوميا وأمنيا ممنهجا منذ سنوات، في اجتماعات الدورة (62) لسيدوا في جنيف مؤخرا. فما هي كواليس مشاركة الوفد الإماراتي وحقيقة الاقتراحات التي قدمها، وما هي التوصيات الحقوقية التي رفضتها الإمارات، وتلك التي وافقت عليها ولكن لم تنفذها. الناشطة الحقوقية صفوة عيسى مدير المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، تقدم إجابات حصرية "للإمارات71" حول ما سبق.
اجتماعات الدورة (62) لسيداو
قدمت دولة الإمارات و على هامش الدورة 62 للجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة(سيداو)، ردودها على مجمل التوصيات التي قدمها المجتمع الدولي في مجلس حقوق الإنسان، ومقره جنيف، والتي وردت في الاستعراض السنوي الشامل لعام 2013. وفي حين قدمت الإمارات الرد الحكومي على هذه التوصيات بما يعكس وجهة نظر السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، كان المركز الدولي للعدالة وحقوق الانسان قد قدم للجنة تقريرا مفصلا حول الانتهاكات التي تتعرض لها عائلات وزوجات المدافعين عن حقوق الانسان والمعارضين في الإمارات، إضافة إلى مداخلة شفوية حول الموضوع، وأشارت "عيسى" إلى أن منظمات غير حكومية أخرى قدمت تقارير مكتوبة وشفوية حول وضع المرأة في الإمارات.
الردود الإماراتية على التوصيات الحقوقية
على الإجمال، فقد أعلن وفد الحكومة إلى "سيداو" أن الدولة وافقت على 100 توصية، وقبلت 7 توصيات بصورة جزئية، و أخذت العلم بـ 50 توصية أخرى، و رفضت 19 توصية تماما، من مجموع التوصيات البالغ 180 توصية حقوقية دولية.
وعلى التفصيل، وفيما يخص حقوق المرأة، ووفقا للوثائق الرسمية التي قدمتها "عيسى" فقد زعم الوفد الإماراتي، أن النساء الإماراتيات يشاركن مشاركة فعلية في كل منحى من مناحي الحياة المدنية والسياسية، وأن الحكومة أصدرت قرارًا في ديسمبر ٢٠١٢ يلزم الهيئات الحكومية والشركات بإشراك النساء في مجالس إدارﺗﻬا. وقد سبق التعليق على أن هذه إجراءات إدارية يقوم بها أي قسم موارد بشرية في أي مؤسسة ولا تحتاج إلى قوانين وتشريعات وتسويق إعلامي وحقوقي على أن المرأة الإماراتية تشارك في الحياة العامة. فضلا أن وجود وزراء أو أعضاء في المجلس الوطني الاتحادي يشير إلى أن هذا التواجد بهدف "الاستعمال" في مؤتمرات كهذه لذر الرماد في العيون، إضافة إلى أن الجهة المنوط بها تحسين أوضاع المرأة في الإمارات يسمى "مجلس التوازن بين الجنسين" وليس المساواة مثلا، ويهدف إلى عملية تقاسم وظيفي بين الرجال والنساء في الوظائف العامة لا أقل ولا أكثر.
"أسئلة" لجنة "سيدوا" للوفد الحكومي
وأفادت "عيسى" أن أعضاء اللجنة وجهوا عددا من الأسئلة لوفد الإمارات من بينها: المنع من السفر لزوجات معتقلي الرأي في الدولة. و تساءل بعض أعضاء اللجنة عن تحفظ الإمارات على مساواة المرأة في الشؤون المدنية، إضافة إلى أهليتها القانونية وخصت بالذكر حرية المرأة الإماراتية في التنقل وحقها في الحصول على جواز سفر وما إذا كانت هذه الحقوق مكفولة.
وكشفت "عيسى" أن إجابات وفد الإمارات كانت "مقتضبة"، وزعم "أنه لا وجود لقيود مفروضة على حرية تنقل المرأة في الإمارات ما عدا في حال وجود قرار قضائي. وهو الأمر الذي يخالف الواقع ومنظمات حقوقية كثيرة تؤكد أن الإمارات تواصل سياسة العقوية الجماعية ضد ذوي معتقلي الرأي.
وعقبت "عيسى" "للإمارات71" بالقول على هذه المزاعم، قائلة، "وهو الأمر الذي يعتبره المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان تعتيماً خطيراً على الحقائق، فالعديد من زوجات وبنات المحكومين في قضية الإمارات 94 تم منعهم من السفر وصادرت السلطات الإماراتية جوازات أطفالهم دون إذن قضائي"، على حد تأكيدها.
مقترح "قانون كرامة المرأة"
وكشفت "عيسى" كواليس وعدم جدية مقترح "قانون كرامة المرأة" بما هو أقرب "للتحايل" الإعلامي، وذلك برصدها للحقائق التالية: أن هذا المقترح لم يتطرق إليه أحد، لا الوفد الإماراتي، ولا الدورة (62) لسيداو. وأكدت عيسى أن من تقدم بالمقترح هو "وفد من منظمات المجتمع المدني الموالي للحكومة وعلى رأسه جمعية الإمارات لحقوق الإنسان على إثر وقفة أمام مقر الأمم المتحدة بالمطالبة بسن قانون كرامة المرأة". وأوضحت "عيسى" أن الوفد لو كان جادا في تقديم المقترح، لكان "من الجدير المطالبة بذلك قبل بدء دورة سيداو ليكون ذلك بمثابة التوصية للحكومة تُضّمن في التقرير النهائي للجنة وتلزم بها الحكومة"، واستدركت "عيسى"، "ولكن هذه المنظمات اكتفت بالمطالبة الصورية وفي جنيف وليس داخل الامارات بسن هذا القانون وغيره من المطالب وبعد أن أنهت سيداو أعمالها". وإضافة إلى كل هذه المؤشرات التي تثبت عدم الجدية في المقترح، فإن المقترح لا يمس الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمرأة، ولكنه فقط مرتبط "بنفقات المطلقات".
انتقادات دولية لأوضاع حقوق الإنسان في الدولة
وجه مجلس حقوق الإنسان في الاستعراض الشامل في يناير 2013 للدولة عددا من الانتقادات والملاحظات، من بينها:
- أعربت الدانمارك عن قلقها إزاء الانتهاكات المزعومة لحرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، بما في ذلك حرمان الناشطين السياسيين من جنسيتهم.
- أعربت فنلندا عن قلقها كون الإمارات ليست طرفًا في العديد من صكوك حقوق الإنسان المهمة، وأعربت عن قلقها أيضًا إزاء تحفظات البلد على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
- وأشارت اليابان إلى وجود بواعث قلق تتعلق باحتجاز المدافعين عن حقوق الإنسان وأعربت عن أملها في أن تبدد الإمارات هذه الشواغل عبر نشر المعلومات ذات الصلة.
- وأعربت النرويج عن قلقها إزاء تدهور حرية التعبير وإزاء ما نُشر من تقارير عن حالات احتجاز وتوقيف تعسفيين.
- وأعربت السويد عن قلقها إزاء الإجراءات التقييدية المتعلقة بحرية التعبير على شبكة
الإنترنت.
- واستفسرت ألمانيا، عما إذا كانت التشريعات المتعلقة بجرائم تقنية المعلومات تحتوي على ضمانات تحول دون انتهاك حرية التعبير بلا مبرر.
- وقالت واشنطن أﻧﻬا لا تزال تشعر بالقلق إزاء توقيف ناشطين سياسيين واحتجازهم دون توجيه أي ﺗﻬمة لهم.
توصيات وافقت عليها الإمارات ولم تنفذها
أشار الوفد الحكومي إلى أن الدولة وافقت على 100 توصية. وبمراجعة التوصيات تبين أنها أعلنت عن موافقة "إعلامية" فقط لتوصيات ولكنها لم تنفذها. ومن هذه التوصيات:
- التحقيق فورا وبنزاهة في جميع ادعاءات التعذيب ومقاضاة المسؤولين عنه. (توصية دانمركية)، لم تنفذها الدولة على الإطلاق بل لا تزال ترفض زيارة المقرر الأممي خوان مديز الخاص بالتعذيب علما أنه تقدم بطلب رسمي للدولة منذ أكتوبر الماضي.
- مكافحة جميع أعمال التعذيب وإطلاق آلية المراقبة الوطنية التي تتيح تقديم الشكاوى إلى القضاء (توصية إسبانية). لم تنفذ أيضا على الإطلاق.
- النظر إيجابيًا في دعوة المقرِّر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب( توصية مكسيكية)، لم تنفذ حتى الآن، على الأقل.
توضيحات حقوقية
وإزاء ما تقدم، فقد قالت "عيسى"، "وحسب رأينا فأن المساعي التي تبذلها الامارات لحماية المرأة وتعزيز حقوقها وغيرها من المجالات المتعلقة بحقوق الانسان، ليست بالكافية فهي تحاول تلميع صورتها بشتى الطرق ولكنها لا تعمل فعليا على تحسين وضعية الفئات المستضعفة كالمرأة والعاملات الأجنبيات والبدون وغيرهم".
وأكدت مديرة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، قائلة، "فتعاملها(دولة الإمارات) مع ملف المرأة يغلب عليه الإشهار والتسويق لصورة الدولة في المحافل الدولية دون أن توجد في الواقع مساواة تامة على مستوى الحقوق حتى بين المرأة الموالية للحكومة والمرأة المستقلة والاتفاقيات التي صادقت عليها بقيت كلها حبر على ورق"، على حد تعبير الناشطة الحقوقية.
وأجابت "عيسى" عن وجود آلية متابعة للتوصيات قائلة، "بالنسبة للتوصيات، فللمجلس والهياكل الاخرى الحق في إعادة تقديم نفس التوصيات والتذكير بها في الجلسة التالية في حال رفضتها الامارات أو لم تحترم تطبيقها".