"إنه زلزال سياسي"، هكذا وصف الإعلام والساسة الإسرائيليون فوز زعيم حزب العمال الجديد جيرمي كوربين في انتخابات على رئاسة الحزب جرت مؤخرا. "كوربين" معروف بسياسات أقرب لشعوب المنطقة العربية وللشعوب بصفة عامة كما أن إسرائيل وصفته بأنه "صديق لحماس". فماذا عن مواقفه السياسية بشأن الإمارات والخليج، وكيف يمكن أن يشكل نقطة تحول كبرى في العلاقات بين أبوظبي ولندن وسائر العواصم الخليجية بعد علاقات لا تتوقف الأوساط السياسية الإماراتية الإشادة بها؟
مواقف "كوربين" العامة
يقول كوربين عن "داعش"، "كل ما سأفعله هو عزلهم، وتوحيد الجماعات في المنطقة ضدهم"، في إشارة إلى الإقرار بحق الأحزاب والتيارات السياسية المدنية والسلمية ولا سيما حركات الإسلام الوسطي في العمل السياسي دون مزاعم حكومات المنطقة اتهامها بالإرهاب أو أن توضع جمعيات ومراكز حقوقية في قوائم إرهابية على غرار قائمة الإرهاب الإماراتية.
و عن القضية الفلسطينية يقول " كوربين"، يجب التعامل معها بجدية، خاصة غياب إعمار غزة، واستمرار الاستيطان في الضفة الغربية، واستمرار الاحتلال، لافتا إلى أنه يجب على الحكومات الغربية أن تكون جادة في التعامل مع القضية.
ويخلص زعيم حزب العمال إلى أنه "يجب أن يحل السلام، من خلال الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، ويجب وقف المستوطنات والاحتلال، وفك الحصار عن غزة، ولا يمكن الاستمرار في خسارة الأرواح، حيث أنه لم يتم إعمار غزة بعد". أما دول خليجية والقاهرة فإنها تعتبر القضية الفلسطينية سبب التطرف في المنطقة وهو منطق مجاف للحقيقة في حين أن تصور "كوربين" يعني اختلافا حادا و واضحا مع هذه الدول.
"كوربين" وحقوق الإنسان
وحول ملف حقوق الإنسان، "يلفت كوربين" إلى أن حقوق الإنسان عادة ما تهمش عندما تتفق الدول حول التعاون العسكري والمالي. ويقول في هذا السياق إنه "لن يرحب بعبد الفتاح السيسي في لندن؛ بسبب قلقه حول أحكام الإعدام، ومعاملة المسؤولين السابقين في حكومة منتخبة، واستمرار سجن الرئيس السابق محمد مرسي". وهذا يعني أن حكومة بريطانية قادمة برئاسته سوف تضغط على دول خليجية متهمة بانتهاك حقوق الإنسان في بلادها لوقف التعاون العسكري والأمني معها وذلك وفق ما تطالب به منظمات حقوقية وشعبية بريطانية أيضا، وهو ما سيضع علاقات دول الخليج ومن بينها دولة الإمارات في امتحان صعب مع لندن التي تطورت فيها علاقة أبوظبي كثيرا في السنوات الأخيرة وتركزت حول الأمن والدفاع وقيام مسؤولين إماراتيين كبارا بعدة زيارات إلى لندن في وقت متقارب والضغط على حكومة كاميرون بإجراء تحقيق حول نشاط الإخوان المسلمين في لندن بهدف التأثير على الحكومة البريطانية.
وقال "كوربين" إن "بريطانيا جيدة في التعبير عن مظاهر قلقها من حكم الإعدام، لكنها ليست جيدة في مجال التعبير عن حقوق المرأة وحق التظاهر والنقابات. وهو ما يريد معرفته عندما سيتم التعامل مع إيران، مثلا.
"كوربين" والإرهاب وواشنطن
ويقول "كوربين" إنه كونه زعيما لحزب العمال يمكن أن يوفر الأمن للمواطنين الأوروبيين ويحميهم من الإرهاب، من خلال الابتعاد عن أمريكا، ويضيف أنه يجب “ألا نكون جزءا من السياسة الخارجية الامريكية، وينبغي أن نحمي أنفسنا من خلال فهم التنوع الديني والتطلعات الدينية في أنحاء العالم كله، وأن نتحول إلى قوة للدفاع عن حقوق الإنسان لا قوة للتدخل العسكري”.
ويشير "كوربين" إلى ضرروة القبول بالآخر واحترام حقه بالاختلاف مؤكدا أن ما ينقص الصراعات في المنطقة هو حقوق الإنسان وتعزيزها لا بالسعي لتشكيل قوة عربية مشتركة هدفها الانقضاض على الحقوق والطموحات المشروعة للشعوب العربية. إن توجهات كهذه سوف تقوض مشاريع عسكرية من قبيل القوة العربية المشتركة التي يقف خلفها نظام السيسي بقوة، علما أن حكومة كاميرون كانت قد رحبت بتشكيل القوة المزعومة.
ويتابع كوربين: “منذ حرب أفغانستان أصبحت الحكومات أكثر ميلا لتشريع قوانين مشددة في مجال حقوق الإنسان، وصارت الحكومات تتجه نحو تطبيق الاعتقال الإداري وكل ما ينتج عنه من مخاطر. أؤمن بأنه يجب أن تكون المحاكم مستقلة وبعيدة عن التأثير السياسي، حيث تمنح كل شخص الفرصة لمحاكمة عادلة ومفتوحة”.
ويرى ناشطون أن توجهات "كوربين" هذه ما هي إلا سلوكيات تقوم بها دول المنطقة وإشارته إليها من باب انتقادها وأنها سوف تكون جزءا من برنامج عمله للضغط على حكومات المنطقة لوقف إجراءاتها البوليسية على غرار الاتفاقية الأمنية الخليجية التي تنتهك حقوق الإنسان الخليجي على نطاق واسع وفق ما يؤكده حقوقيون وناشطون.
سياسة "كوربين" الخارجية وحقوق الإنسان
يقول كوربين عن السياسة الخارجية التي سينتهجها حزب العمال في فترة زعامته، “إنها سياسة تعمل على الحفاظ على حقوق الإنسان، وسياسة تتعامل بجدية مع الجوع في العالم، وغياب المساواة والكوارث البيئية”. ويرى ناشطون أن إدخال حقوق الإنسان كأحد معايير تعامل الممكلة المتحدة في علاقاتها الخارجية مع دول العالم سوف يوفر ضغطا كبيرا على هذه الدول ويضع مزيدا من العراقيل إزاء إجراءاتها القمعية ضد حقوق الإنسان، ويجعل أي اتفاقية أو صفقة رهن باحترام حقوق الإنسان وهو ما يعني "زلزالا" بكل معنى الكلمة ليس على إسرائيل فقط وإنما على دول القمع في المنطقة.
وإزاء ذلك، لا يستبعد مراقبون أن تتخذ دول خليجية متشددة في قمعها لحقوق الإنسان موقفا عدائيا من "كوربين" وتشن ضده حملة إعلامية لتشويه صورته واتهامه "بالأخونة" كما تجرأت و كالت الاتهامات والشتائم للرئيس الأمريكي باراك أوباما لأنه تردد في مرحلة ما من الاعتراف بانقلاب عبد الفتاح السيسي.