ما إن أعلن "ناريندرا مودي" رئيس وزراء الهند الذي كان في زيارة لأبوظبي عن تخصيص حكومة أبوظبي قطعة أرض لبناء معبد هندوسي في عاصمتنا حتى تفجرت ردود فعل الإدانة والاستنكار والرفض والمطالبة بالتراجع عن مثل هذه القرارات التي لطالما تجاوزت مشاعر الإماراتيين الدينية والوطنية. فما هي أبرز ردود الفعل، وما هو الموقف الرسمي للدولة، وهل بناء المعبد مرتبط بتوجهات سياسية أم "تسامح ديني"؟ وما هو مفهوم التسامح الديني لدى الحكومة والشعب الإماراتي؟
القرار سياسي لا ديني
امتازت الغالبية الكاسحة من الرأي العام الإماراتي والخليجي و العربي بالرفض المطلق لقرار حكومة أبوظبي السماح ببناء هذا المعبد، الذي اعتبره ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنه يأتي في سياق سياسي بين العلاقات الاستراتيجية الجديدة بين أبوظبي ونيودلهي بعد زيارة "مودي" للإمارات وإصدار بيان مشترك والإعلان عن اتفاق أمني بين البلدين ولا علاقة له بما يزعمه مدافعون عن الحكومة "بالتسامح الديني".
وعندما يصف "مودي" القرار "بالخطوة العظيمة" ويظهر كأنه أحد إنجازات زيارته، وهو شخصية سياسية وليست دينية، فإن لبناء المعبد اعتبارات سياسة خاصة أن دستور دولة الإمارات لا يعترف بالهندوسية ولا تدخل الدولة معها في حوار "أديان" من جهة، كما أنه "إنجاز" سياسي" تمنحه الدولة مجانا "لمودي" في الداخل الهندي في مواجهة منافسيه السياسيين.
لذلك، جاء رد الفعل الإماراتي والخليجي فوق المتوقع وشكل ذهولا وصدمة لصانع القرار الذي "يلقنه" الرأي العام الإماراتي درسا ثانيا في غضون أسابيع قليلة بعد "فيديو المواطنة" في مايو الماضي والغيرة الوطنية والدينية التي أظهرها الإماراتيون على حرماتهم وقيمهم.
يقول ناشطون، حتى إن قرار بناء المعبد الهندوسي مرفوض حتى ولو في إطار ديني بحت، كون المسألة غير مرتبطة بالتسامح مع عدمه، كون الديانة الهندوسية هي ديانة وثنية وتقوم على الشرك بالله، كما غرد خليجيون مؤكدين "أنه لا يجتمع في الجزيرة العربية دينان"، وفقا لحديث الرسول (ص).
وأظهر الرافضون لبناء المعبد، التناقضات الكثيرة والكبيرة بين ادعاء التسامح وما تمارسه أجهزة الأمن وأجهزة تنفيذية أخرى مع الشأن الديني الإسلامي في الدولة، من سيطرة على المساجد ومراكز تحفيظ القرآن ومراقبة المساجد بكاميرات وفرض الخطبة الموحدة، وحصر الإفتاء بجهة حكومية تعبر عن توجهات أحادية وتستبعد الاجتهاد تماما. لذلك يرى الناشطون أن من يسعى للسيطرة على الإسلام بهذه الطريقة لا يمكن أن يدعي التسامح أو أن يكون محركه التسامح في قرار بناء المعبد، خاصة أن هذا القرار يستهدف التقارير الحقوقية الدولية الرسمية والأهلية لتصنيف الإمارات ضمن الدول الأكثر تسامحا دينيا للتغطية على انعدام تسامحها مع الناشطين والحقوق والحريات والانتهاكات المتصاعدة في هذا المجال.
الموقف الرسمي
حتى الآن لا يوجد أي موقف حكومي أو رسمي معلن من أي جهة أو شخصية في الدولة تنفي أو تؤكد "بناء المعبد". بل إن قرار البناء أعلن عنه "مودي" وليس مصدر إماراتي أو أحد غيره من الجانب الهندي. فالصمت مطبق على الشخصيات والجهات التي دأبت أن تعبر عن موقف الدولة الرسمي سواء في تغريدات أو بيانات رسمية عبر وكالة الأنباء الرسمية.
ويفسر ناشطون الصمت الحكومي الرسمي بأن قرار "بناء المعبد" صحيح، ولكن صانع القرار "مرتبك" من حجم الرفض الشعبي واسع النطاق، ولا يزال يدرس كيفية التعامل مع هذا الرفض، وكيف يقدم الموضوع للرأي العام خاصة أن الإماراتيين لم تعد تنطلي عليهم "مقولات التسامح" وهم يرون سياسة انتقامية وتصيدا ضد الناشطين الإماراتيين والخليجيين والعرب دون إظهار أي بادرة للتجاوز والتسامح مع صاحب رأي أو ناشر تغريدة. بل إن استعجال معاقبة الناشطين بقوانين مختلفة، و إبداء"تفهم" الإمارات مقتل مئات المصريين في فض اعتصام رابعة في بيان رسمي، كل ذلك يؤكد أن التسامح الديني أو السياسي غير موجود في أجندة الأجهزة الأمنية والتنفيذية. وأكثر من ذلك، وإذا تأكد أن اعتقال ناصر بن غيث بسبب رأيه في بناء المعبد، فأين "التسامح" مع إبداء الرأي في مسألة "دينية" زعم أنها "تعبر عن تسامح". فالتسامح قيمة لا تتجزأ وفق ما يؤكده الناشطون.
ردود الفعل القريبة من الحكومة
تراوحت ردود الفعل المحسوبة على الحكومة بين الإستنكار، أو إنكار معرفتها أو تبرير القرار. الكاتب الصحفي أحمد أميري يبرر القرار بما هو أشد من القرار ذاته، قائلا،" بناء دار لعبادة الله حسب ديانة يرى أصحابها، وهم صادقون مع أنفسهم، بأن الله هو ذلك الذي يعتقدون به". فأميري يؤيد ما يذهب إليه الهندوس في شركهم وعبادة الأبقار، ومحتجا بأن "غاندي كان هندوسيا، ولو وجد فيها ما يجعله يرفضها لرفضها"، على حد زعمه.
أما عبد الخالق عبدالله فقد برر القرار بالقول،" حضارة الأندلس قامت على التسامح الديني والإمارات تبني حضارة قائمة على الانفتاح والتسامح الديني فلا حرج من بناء المعبد" على حد قوله. ويوضح ناشطون أن "عبدالله" رفض إظهار التسامح مع ناشطين إماراتيين مؤيدا حبسهم 10 أعوام بسبب عريضة حول المجلس الوطني.
رد فعل مفاجئ
ولعل أبرز ما في الردود على القرار هو تغريدات لوسيم يوسف - الذي حصل على الجنسية الإماراتية لتأييده و دفاعه عن سياسات وقمع جهاز أمن الدولة كما يؤكد ناشطون. "فيوسف" انتقد القرار، قائلاً، " لا يجوز بناء "معبد هندوسي" فى الإمارات، إن صح الخبر المتداول، مستشهدا بأمر النبي بإزالة مسجد "ضرار" لأنه أراد نشر الفتن والضلال، وعلق قائلاً: "فكيف ببناء يُعبد فيه غير الله سبحانه"، مؤكدا،" وندين لله أن هذا غير جائز إن ثبت الخبر".
وحول مفهومه للتسامح قال، "يوسف"، "التسامح بالإسلام يمنع إقرار باطل الأديان، كزواج الكتابية من المسلم جائز، أمام زواج الكتابي من المسلمة فلا". واختتم "يوسف" تغريداته بالقول، "رسالة للمثقفين !.. التسامح في الإسلام بين الأديان السماوية التي خرجت من شعلة واحدة، وليس لديانة بشرية تعبد الحيوانات !".
أما محمد بن غيث وهو من المحسوبين على "الجامية" التي تؤيد أي سلطة مهما كانت، ولا ترى جواز حتى النصح لها إلا بالسر، فقد أنكر علمه بالأمر عندما سأله أحد الناشطين عن المسألة، وحتى إنه لم يقل رأيه في مسألة بناء معبد هندوسي بغض النظر إن كان في الإمارات أو غيرها، مكتفيا بتهربه من السؤال بعدم معرفته بالموضوع.
ورغم تغريدات "يوسف" وإنكار محمد بن غيث علمه بالقرار والصمت الحكومي، فإن ناشطين يعتبرون أن هذه الإشارات قد تكون السُلم الذي تنزل من عليه الحكومة عن الشجرة التي تسلقتها في هذا القرار، مؤكدة أن الفرصة لا تزال مواتية لتصحيح هذه الخطيئة الدينية، التي رأى البعض أنها تؤدي إلى ما وصفوه "بالتطبيع الديني" و "استقدام الأديان، وفق تقرير لموقع الجزيرة نت حول المعبد الهندوسي.