ما إن تم الإعلان صباح اليوم عن رفع أسعار المشتقات البترولية في الدولة حتى ظهرت ردود فعل مستنكرة ومنددة به على نطاق واسع، خاصة أنه يأتي في ظل مجموعة من الحقائق والمعطيات التي تنسف أي مبرر لهذا القرار السياسي الاقتصادي الاجتماعي، كما يرى مراقبون. فما هي المعطيات التي تدحض مبررات رفع الأسعار، وما هي أبرز ردود الفعل الأولية عليه؟
مبررات رفع الأسعار
لم تتجاهل الحكومة تقديم تبرير رفع الوقود في الدولة، بقولها، "جاء القرار دعما لاقتصاد الدولة وترشيدا لاستهلاك الوقود وحماية للموارد الطبيعية وللمحافظة على البيئة" وفق ما نشرته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية (وام).
وأضاف سهيل المزروعي وزير الطاقة إلى أن "تكلفة الجازولين تمثل من 3 إلى 4 % فقط من دخل الفرد في دولة الإمارات وهذه نسبة معتدلة ومقبولة مقارنة بالنسب العالمية. لذلك فمن غير المتوقع أن يكون لتحرير أسعار الجازولين تأثير ملحوظ على التكاليف المعيشية للفرد بشكل عام"، على حد قوله.
معطيات تدحض مزاعم وزارة الطاقة
الخبير الاقتصادي الإماراتي البروفيسور يوسف خليفة اليوسف علق على القرار على حسابه "بتويتر" داحضا الكثير من التبريرات الحكومية التي تم تقديمها، وتلك المسكوت عنها، كون الأسباب الحقيقية لرفع الدعم عن الوقود ليس كما ذكرت الوزارة، وفقا لتغريدات اليوسف الذي ذكر الأسباب الحقيقية.
اليوسف، عزا هذا القرار إلى "السياسات النفطية الخاطئة وتبذير الثورة وخاصة على الثورات المضادة إضافة إلى سباق التسلح"، باعتبارها العوامل التي أدت إلى تقليص الإنفاق الحكومي على البترول، حسبما ذهب إليه الخبير الاقتصادي.
ويؤكد مراقبون أن دولة الإمارات تمول صفقات سلاح أوروبية لصالح نظام السيسي كما جرى مؤخرا تمويل صفقة "طائرات رافال" الفرنسية، و"تايفون" البريطانية" وفرقاطة فرنسية، وأسلحة صربية لمليشيات حفتر في ليبيا وغيرها من عمليات تمويل انتخابي لمرشحي الثورات المضادة في تونس. ومؤخرا كشفت السلطات النرويجية أن شبكة حقوقية يرأسها ضابط مخابرات فلسطيني على علاقة مع محمد دحلان قام بغسل 18 مليون دولار خلال 3 سنوات استخدمت في عمليات تفجيرية في الشرق الأوسط لإلصاقها بالإسلاميين.
وبصورة عامة، قدمت الحكومة خارج الميزانية على مدار عامين من الانقلاب في مصر 61 مليار درهم تتضمن آلاف الأطنان من الوقود بأنواعه للشعب المصري ولكن نظام الانقلاب كان يبيعها للمصريين فضلا عن مشروعات أخرى بمليارات الدراهم.
قرار بعيد عن الإصلاح الحقيقي
ووصف "اليوسف" القرار وهو يرد على مزاعم الإصلاح الاقتصادي، قائلا" إصلاحات ترقيعية على حساب المواطن"، معتبرا أن "الإصلاحات الجذرية تتطلب إرادة سياسية غير موجودة عن حكومات منشغلة بجمع الغنائم" على حد تعبيره. وقدم اليوم "وصفة" لما اعتبره التنمية الحقيقية، وهي تحقيق الشراكة الفعلية مع الشعوب وتوحد دول المنطقة، على حد تقديره.
وأظهر اليوسف تناقض قرار رفع الأسعار مع سلوك وإنفاق الحكومة في مواضع أخرى، قائلا،" تحرير الأسعار خطوة مهمة لأنه يرشد الاستهلاك ولكنه يتم في ظل حكومات تنفق المليارات على التسلح ويتفشى فيها الفساد المالي"، على حد قوله.
وتؤكد إحصاءات إماراتية رسمية نشرتها صحيفة الاتحاد المحلية – الموجهة والمملوكة لحكومة أبوظبي- في فبراير الماضي غداة انتهاء معرض "أيديكس" أن القوات المسلحة الإماراتية أبرمت صفقات سلاح من المعرض وحده بـ18 مليار درهم، فضلا عن الصفقات الأخرى المعلن منها وغير المعلن.
وأصر اليوسف على أن تجاهل الترشيد الذي بررت به الحكومة هذا القرار، الفساد والتسلح فإنه سيتحول إلى ترشيد مجالات هامة للتنمية والعدالة كالتعليم والتوظيف والضمان الاجتماعي"، على حد وصفه.
وقد أكد تقرير الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في الدولة لعام 2014 ما ذهب إليه الخبير في الاقتصاد الإسلامي، عندما أشار إلى ورود تقارير تؤكد وجود شبهات فساد مالي وعدم شفافية في بعض أعمال الحكومة الإماراتية.
الشعوب تدفع الثمن
"اليوسف" أوضح أنه لا يعترض على ترشيد الطاقة، ولكنه رآها "ردة فعل أكثر منها سياسة واضحة في ظل رؤيا أمنية وتنموية خليجية". وتابع،" للأسف هذه حكومات تعودت على التحكم بالثروات والقرارات من غير العودة إلى شعوبها، وكلما واجهت مشكلة مدت يدها إلى القليل الذي عند الشعوب"، على حد قوله.
ويرى مراقبون أن الشعوب تدفع قرارات كهذه مرتين. المرة الأولى من تجاهل رأيها أو التحسب لمطالبها، والمرة الثانية أن هذه الشعوب هي التي تدفع ثمن هذه القرارات من جيبها، وسط ضغوط اقتصادية مرتفعة أساسا في الدولة من معيشة وتعليم وسكن وصحة وخدمات أخرى.
الشعب الإماراتي يتساءل إزاء هذا القرار، هل فاتورة دعم الوقود أعلى أم أقل من أي تمويل صفقة مقاتلات "تايفون" أو "رافال" أم فاتورة دعم مرشحين ما في انتخابات في دول عربية. وهل سيتم دعم نظام السيسي وتزويده بعشرات آلاف الأطنان من الوقود بالأسعار السابقة أم بالسعر الجديد، أم سيظل مجانا، يدفع الشعب الإماراتي والمصري ثمنه مرتين.
ويتساءل ناشطون إماراتيون، إن كان وزير الطاقه يعتبر أن نسبة زيادة الأسعار ليست "ثقيلة" على جيب المستهلك، فلماذا تتحرر الوزارة منها، وتدعي أنها "تحرر الأسعار" في حين أنها ترفع الأسعار لمستويات غير مسبوقة وفوق احتمال المستهلكين.