احتفى الإعلام الإماراتي وإعلاميون إماراتيون بالذكرى الحادية عشرة على رحيل الوالد الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، طيب الله ثراه، بالتذكير بمناقبه وصفاته بصورة عامة لم تف سموه حقه علينا نحن أبناؤه وأحفاده الذين أدركنا القيم التي أعلى عليها بنيان الاتحاد حتى اشتد عوده. ونحن أبناؤه وأحفاده الذين عاصرنا الفروق الواسعة بعد عهده. فما هي القيم التي بنى عليها الراحل الاتحاد، وما هي الفروق الجوهرية التي تزداد اتساعا في الذكرى الحادية عشرة لرحيله، بعد الفراغ الذي تركه غياب زعيم لم يملؤه أحد؟
زايد.. باني الاتحاد وراعي القيم
قيام الاتحاد بين الإمارات عام 1971 لم يكن هو الإنجاز الوحيد لزايد، وإنما كان باكورة جملة من الإنجازات. فلقد أرسى "سياسة اجتماعية" عامة طُبقت في الرعاية الصحية والخدمات الإنسانية والعدالة والتعليم والعمالة، وكافحت الفساد". هذه "السياسة الاجتماعية" التي عرفتها جامعة "هارفارد"، يجب أن تكون سياسة شاملة للجميع، لأن عدم التمييز والتساوي في المعاملة من أهم عوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي.
قيمة الحرية عند زايد
زايد رسخ مقولات ذات حجية أدبية تفوق المدونات القانونية والتي لا يزال ينهل من معينها الشعب الإماراتي. يقول زايد، إن "حرية الرأي ضرورية"، إلى جانب إيمانه "بحرية المواطن وكرامته وحرية الصحافة"، ويقرر "للشعب مطلق الحرية في إبداء رأيه"، بل اعتبر أن" كل من لا يطالب بالحرية فهو مقصر في أداء واجبه الوطني".
ويتابع،" نحن جميعا شركاء في الرأي وفي السياسة وفي التخطيط وفي الإعداد، وبدون هذه المشاركة لا يكون للعمل الوطني معنى أو محتوى".
قيمة المسؤولية عند زايد
قال زايد إن "سعادة رفاهية المواطنين أمانة في عنقي،.. فالحاكم ما وجد إلا لخدمة شعبه؛ ليوفر لهم سبل التقدم والأمن والطمأنينة والاستقرار". لذلك، أكد "بابنا مفتوح، وسيظل دائما كذلك، إن كل صاحب شكوى يستطيع أن يقابلني أي وقت ويحدثني عن مظلمته مباشرة". وحمل زايد المسؤولية للإماراتيين قائلا،" كل فرد في هذه الدولة يلحظ أي نقص يجب أن يتكلم ولا يسكت"، مؤكدا "أؤمن بمشاركة الشعب في تحمل المسؤولية والشورى في الحكم".
قيمة الإنسان عند زايد
اعتبر زايد أن "الإنسان هو أساس أي عملية حضارية.. والإنسان الصالح هو ذلك المواطن القادر على تحمل المسؤولية الذي يتمتع بالحرية الكاملة وهو ذلك الإنسان الواعي المثقف المدرك للأمور المتبصر بالواقع الحريص على حاضره العامل بجد لمستقبله.. فلا فائدة للمال بدون الرجال". وعن الشباب يقول – رحمه الله- "إنني أؤمن بالشباب ولا بد أن يتولى المسئولية الشباب المثقف وأبناء البلاد.. إن الشباب في حاجة دائمة للحوار البناء وفي حاجة إلى إقناعه بالرأي الصائب لا بالإرهاب".
الأكاديمية الإماراتية فاطمة الصايغ كتبت في صحيفة البيان (5|7) مقالا بعنوان:" زايد راعي الوسطية في عالم مضطرب"، تقول فيه عن زايد: استطاع استخدام قدرته على الإقناع في إقناع من حوله أولا بضرورة التغيير ومن ثم إقناع المجتمع بأكمله بأهمية ذلك التغيير. ولهذا أتى التغير مواكبا لما يريده المجتمع، وليس ضد رغباته".
وشدد زايد على أن "الاتحاد ما قام إلا تجسيدا لرغبات وأماني وتطلعات شعب الإمارات الواحد في بناء مجتمع حر كريم".
الواقع والفروق بعد عهد زايد
وثق المراقبون اختلافا كبيرا في الأوضاع الإماراتية الداخلية وعلاقاتها الخارجية فيما بعد زايد استنادا للمقارنة بين ممارسات زايد وأقواله وبين الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المعاش في الدولة منذ 11 عاما.
فعلى صعيد السياسة الاجتماعية سالفة الذكر يقول الأكاديمي الإماراتي يوسف خليفة في إصدار بعنوان " الإمارات على مفترق طرق" نشره مركز الخليج لسياسات التنمية:"عام2007 كان دخل الفرد في أبو ظبي أكثر من ستة أضعاف دخل الفرد في عجمان، فنتج عن هذه الفجوة ارتفاع معدل البطالة في الإمارات الشمالية إلى أكثر من 20%". وفي تقرير لموقع "إيلاف" في يوليو 2007 نقل عن مصدر حكومي قوله،" إن الهوة بين رواتب العاملين في الحكومة الاتحادية والمحلية اتسعت بشكل غير مسبوق". ويشير ذات المصدر أيضا، "مقابل زيادة الموارد الحكومية انخفضت الأعباء التي تتحملها الحكومات بسبب برامج الخصخصة، بل أصبحت بعض المرافق المخصخصة مصدر دخل إضافي لأن معظم الخدمات لم تعد مجانية كما كان الحال في العقدين الأخيرين"، وذلك حسب تأكيد المصدر الحكومي.
من الاتحادي إلى المحلي
لاحظ المراقبون أنه قبل رحيل المغفور له، لم يكن هناك خطط خاصة بكل إمارة أو مبادارت. ولكن في السنوات الأخيرة بات الإماراتيون يسمعون مثلا، "رؤية أبوظبي 2030"، وخطة دبي 2015"، ورؤية الحكومة الاتحادية 2021"، وهكذا.. ما دفع بالباحث الاقتصادي الإماراتي ناصر بن غيث أن اعتبر أن المسؤول عن الفجوة بين الخدمات المقدمة لإمارات الدولة، إنما يعود لاختلاف كل إمارة في رؤيتها التنموية المنفردة إضافة إلى الرؤية التنموية الاتحادية والتي تختلف فيما بينها في كل شيء حتى الإطار الزمني.
وفي فارق آخر، يؤكد تقرير"الخليج 2013 الثابت والمتحول"، الصادر عن مركز سياسات الخليج للتنمية، أنه فيما يتعلّق بميزانيّة 2012 الاتحادية فقد بلغت مساهمة إمارة أبو ظبي 14.3 مليار درهم، ومساهمة إمارة دبي 1.5 مليار درهم، وبلغت المساهمة الاتحادية 25.3 مليار درهم. في حين قُدّرت ميزانيّة حكومة دبي وحدها لعام 2012 32.3 مليار درهم". وهذا برأي مراقبين إحدى ثغرات العدالة الاجتماعية والسياسة الاجتماعية في الإمارات، ويعتبر مساهمة "شحيحة" من جانب إمارة أبوظبي التي تناهز ميزانيتها السنوية الـ100 مليار درهم وحدها، وإمارة دبي التي تقترب ميزانيتها من ميزانية الإمارات الخمس الأخرى مجتمعة، ما يعني أن الإمارات الأخرى هي التي تتحمل النصيب الأكبر من ميزانياتها - وهي بدون موارد في الأساس- ما أثر على ضعفها، ودون أن تساهم أبوظبي ودبي بصورة تناسب قوتهما الاقتصادية الهائلة في تحسين الميزانية الاتحادية بما ينعكس إيجابا على سائر مواطني الإمارات.
الحرية والمسؤولية
في مقارنة معمقة بين أوضاع الحريات والحقوق والمسؤوليات بعد عهد زايد، يسجل المراقبون الكثير من الاختلافات والتحولات التي انعكست سلبا على سمعة الدولة بعد رحيل الوالد رحمه الله. فانتخابات المجلس الوطني انتقائية؛ إذ لم تتح الحرية للمواطنين بالمشاركة بالمسؤولية والسياسة والحكم وفق فكر زايد. والأبواب ليست مفتوحة للاستماع للآراء كما يرى مراقبون، إذ أن هناك عشرات المواطنين الإماراتيين الذين اقتدوا بمقولة زايد بأن إبداء الرأي مسؤولية وطنية واجبة، فتقدموا بعريضة لرئيس الدولة الشيخ خليفة بشأن تطوير تجربة المجلس الوطني، فوحوكموا بالسجن من 10-15 عاما.
حرية الصحافة وحرية التعبير التي آمن بها زايد، هي اليوم مثار انتقادات منظمات حقوق الإنسان بعد انهيار تصنيف الدولة في مجال الحقوق والحريات واستقلال القضاء وإثبات حالات التعذيب، والتي لم تكن مثل هذه المثالب أو الصورة السلبية عن الدولة في عهد الشيخ زايد رحمه الله تذكر في أي تقرير كان ولا لدى أي جهة كانت رسمية أو أهلية إقليمية أو أممية.
لذلك، يتساءل الإماراتيون، هل للتغيرات والفجوات المشار إليها وغيرها الكثير لها علاقة "بما قبل وما بعد زايد" أم أن طبيعة الحياة هي عدم الثبات. الكاتب الإماراتي محمد خليفة يقدم إجابة في مقال له في صحيفة "الخليج" المحلية بعنوان "يغيب العظماء فيخلدهم التاريخ" (5|7) يقول فيه: "لم يكن الراحل الشيخ زايد، طيب الله ثراه، إلا رجلاً يندر أن يتكرر في صفاته".