انطلقت عاصفة الحزم ليلة (26|3) بشكل مباغت أذهل الحوثيين وإيران وحتى أطراف إقليمية ودولية واستمرت ضد أهداف الحوثيين في اليمن حتى مساء (21|4) بشكل مفاجئ أيضا. فلماذا توقفت الحملة العسكرية بهذه الصورة، وما هي كواليس وإرهاصات الساعات الأخيرة للعملية؟ وهل انتصرت الرياض وهزمت طهران، وهل تعيد عملية "إعادة الأمل" اليمن السعيد إلى سعادته المفقودة؟
توقف العاصفة
أعلنت وزارة الدفاع السعودية في بيان رسمي انتهاء عملية عاصفة الحزم بعد أن قالت، " إنها حققت أهدافها وزال خطر الصواريخ البالستية التي يمتلكها الحوثيون وصالح على السعودية ودول الجوار". واقتصر بيان وزارة الدفاع على الجانب الفني والميداني للعاصفة.
العميد أحمد عسيري الناطق الرسمي باسم عاصفة الحزم، أكد في تصريحات لاحقة أن الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم لا يعني وقف إطلاق النار، وأن تحركات الحوثيين ستظل تحت المراقبة، تمهيدا لإستئناف العمليات العسكرية في حال لم يلتزم الحوثيون وصالح بالمبادة الخليجية، والتي تحدث عن هذا الجانب السياسي للعملية الرئيس هادي منصور.
بعد ساعات قليلة، ألقى هادي خطابا للشعب اليمني شكر فيه السعودية على عاصفة الحزم مؤكدا عودته لليمن بعد القضاء على خطر المتآمرين، في إشارة إلى مبادرة سياسية تناقلتها وسائل الإعلام قيل إنها مبادرة السلطان قابوس لإنهاء الحرب في اليمن.
وتجدر الإشارة إلى أن إيران كانت قد أعلنت قبل بيان وزارة الدفاع السعودية بنحو 12 ساعة عن توقف مرتقب لعاصفة الحزم في اليمن فيما لاذت وسائل إعلام الخليج بالصمت ولم تعقب نفيا أو تأكيدا على التصريحات الإيرانية والتي كانت على ما يبدو تواكب مفاوضات ومحادثات إقليمية ودولية حول وقف العملية بعد أن أكدت السعودية أنها لا وقف للعملية قبل تطبيق قرار مجلس الأمن الخاص باليمن الصادر تحت البند السابع، وبعد القبول بالمبادرة الخليجية في اليمن.
إرهاصات الساعات الأخيرة
واصلت الأطراف المتحاربة باليمن حتى الساعات الأخيرة إظهار الحزم والوعيد لكل طرف كون هذه المواقف جزء لا يتجزأ من عملية التفاوض وسط إطلاق النار الذي تنازل عنه الحوثيون إذ كانوا يصرون في البداية على وقف العملية للتفاوض. فبعد غياب دام 24 يوما ألقى عبد الملك الحوثي خطابا تلفزيونيا لا يحمل أي جديد سوى إظهار"المؤامرة" والعزم على التصدي لها، في حين كان الملك سلمان يأمر الحرس الوطني المشاركة في عاصفة الحزم وهو ما قرأه مراقبون بأن الحرب البرية على وشك الاندلاع، ليتضح أن هذا الإعلان إنما كان عامل ضغط على إيران والحوثيين. ولم تغب إيران عن التصريحات والمواقف والتهديدات التي وصفتها صحف إماراتية وخليجية "بالعنترية"، وأن الصراخ على قدر الألم، وهم يعقبون على تصريحات مشابهة لحسن نصر الله في خطابه الأخير الذي كان جزءا من دعم موقف الحوثيين في الساعات الأخيرة للعاصفة.
وفي سياق متصل، ولكنه في مسار آخر كان إعلاميون إماراتيون وسعوديون يخوضون معركة الساعات الأخيرة أيضا ولكن لجهة التحريض على حزب الإصلاح اليمني. فالكاتب السعودي منصور النقيدان كتب مقالا بالاتحاد (20|4) طالب السعودية والإمارات "بإعادة الاعتبار إلى الزيدية في اليمن مقابل إقصاء الإخوان مستنكرا تجاهل الإعلام لدور الإصلاح والسلفيين المدمر باليمن" على حد زعمه. وفي (21|4) نشرت الشرق الأوسط تقريرا حول "الأوامر الغامضة التي تلقاها مقاتلو الإصلاح للانسحاب من مواجهة الحوثيين في سبتمبر الماضي ما هيأ للحوثيين احتلال صنعاء".
كما لا يمكن استبعاد زيارة ولي عهد أبوظبي لواشنطن ولقائه أوباما ووزير الدفاع الأمريكي وأعضاء متطرفين بالكونجرس من تأثيرها على الساعات الأخيرة لعاصفة الحزم. وهذا ما أكده الكاتب الإماراتي محمد خلفان الصوفي في مقال له (22|4) عندما أكد أن موقف الإمارات من الإسلام السياسي والربيع العربي سبق الدول الأخرى، وأن للإمارات كلمة لا بد أن تسمعها الأطراف المعنية، ومشددا على أن "الإمارات واحد من الأطراف الأساسية التي تعرف ماذا يفترض أن تكون عليه المنطقة".
أسباب أخرى لتوقف العاصفة
رأى محللون أن من أسباب توقف عاصفة الحزم ما اعبتروه "ضغوطا أمريكية" على الرياض لوقف العملية، إلى جانب صعوبة دخول العملية مرحلة حرب برية بعد تراجع باكستان ومصر عن المشاركة فيها. وأضاف المحللون أن عمليات العاصفة تعرضت لانتقاد بسبب تكلفتها البشرية بوجود ضحايا مدنيين وافتقار عاصفة الحزم إلى استراتيجية عسكرية واضحة. وشكك المحللون بمؤشرات تحقيق العاصفة أهدافها، خاصة في ظل إعلان قيادي حوثي أنه لم يتم التوصل لاتفاق سياسي. ورجح المحللون أن عاصفة الحزم سوف تتخذ شكلا آخر بدعم "المقاومة الشعبية" اليمنية على الأرض.
و يستند المحللون في ذلك إلى تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني الذي اعتبر أن توقف الحرب باليمن يعني "هزيمة العمليات العسكرية"، زاعما أن ما حققته العاصفة "نجاح القوات الثورية و الجيش اليمني (في إشارة إلى الحوثيين) من السيطرة على عدد من المدن اليمنية". فيما اعتبر حزب الله أن توقف العاصفة "هزيمة للسعودية في اليمن"!
مبادرة السلطان قابوس
تضمنت مبادرة السلطان قابوس والتي انتشرت إعلاميا على نطاق واسع وشملت بنود قرار مجلس الأمن الأخير والمبادرة الخليجية التي انقلب عليها الحوثيون. وتضمنت هذه المبادرة نزع سلاح الحوثيين وصالح وتحولهم إلى حزب سياسي وإعادة السلاح الذي سلبوه من معسكرات الجيش اليمني وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وإعمار اليمن، واقتراح انضمام اليمن لدول مجلس التعاون.
من المنتصر ومن المهزوم
بكلمة مكثفة، إذا تم تطبيق مبادرة السلطان قابوس وقرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية فإن الحوثيين وإيران يكونوا قد تلقوا هزيمة لا يختلف على توصيفها اثنان. فمعيار النصر والهزيمة لدى إيران والحوثيين وحزب الله ليس هو ضحايا الحرب أو الخسارة المادية وإنما تحقيق أهداف الحرب السياسية. فإذا تحققت هذه الأهداف بالفعل، فلا يمكن لأيران وحلفائها الزعم بعدم الهزيمة في اليمن في حين يحق للرياض وحلفائها تسجيل نصر عسكري وسياسي "نادر". أما إن لم تتحقق هذه الأهداف فلا يحق لتحالف العاصفة إدعاء النصر.
موقف الإمارات من انتهاء العاصفة
أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية قال في سلسلة تغريدات حول انتصار العاصفة، "إن التحالف العربي عبر تدرجه ومرونته يبدي نضوجاً استراتيجياً وسياسياً غير مسبوق، وضمن تصوراته وشروطه هو ودون إملاءات". وأضاف،"عاصفة الحزم حملة مظفرة دون خسائر لدول الخليج وبأقل الخسائر المدنية، انتصارنا ينتقل إلى مرحلة جديدة نحو تحقيق أهدافنا الواضحة والمنشودة، في إشارة إلى بدء عملية "إعادة الأمل."
وأكد قرقاش، "عاصفة الحزم حققت أهدافها وقوضت خطر مليشيا الحوثيين وصالح،.. تحقيق الأهداف الاستراتيجية بوصلتنا: إزالة الخطر الإيراني عن السعودية والخليج وعودة الاستقرار إلى اليمن عبر بوابة الشرعية والمسار السياسي". فهل سيتحقق ذلك، أم أن مناخ توقف العاصفة تطلب تصريحات كهذه!