بعد ساعات قليلة من وقوع جريمة "شبح الريم" انطلقت أقلام وتصريحات إماراتية وخليجية لا تدين الجريمة لأسباب مهنية وإنسانية بحت، بل خالط مواقفهم الهوى السياسي والنزعة الأمنية، وكأن هذه الجريمة، جاءتهم "هدية من السماء"، لتوفر لهم المبرر أمام الشعب الإماراتي للترويج لأفكار وتسويق اتجاهات تقف على النقيض من اتجاهات الرأي العام الإماراتي، وخاصة فيما يتعلق بالنقاب. فكيف تطور مسار الجريمة، وكيف تم حرفه وتوظيفه سياسيا وأمنيا؟
الجريمة اعتداء فردي أم جماعي؟
أفادت وكالة أنباء الإمارات أن امرأة قتلت مدرسة أمريكية الأسبوع الماضي استلهمت «فكرا إرهابيا» عبر الإنترنت، ولكن محققين لم يتوصلوا إلى وجود صلات لها بجماعات متشددة. ونسبت الوكالة إلى مصدر أمني قوله إن التحقيق مع المرأة أظهر «أن الجرائم التي ارتكبتها تعتبر بوازع شخصي وعملا إرهابيا فرديا، ولم يتبين حتى الآن ارتباط الموقوفة بأي من التنظيمات الإرهابية أو الحزبية».
ومقابل المعلومات الحصرية لأجهزة التحقيق الإماراتية، فإن هناك تحليلات طغت على السطح تتخوف من أن تكون هذه الجريمة، جريمة سياسية، كما وصفها الصحفي عبد الباري عطوان في صحيفة "رأي اليوم"، معتبرا أن مشاركة الإمارات إلى جانب السعودية في التحالف الدولي وتدخلها في عدد من دول الربيع العربي، قد يكون قاد إلى هذه الجريمة، وهو ما يعني أنها هذه الجرائم قد تتكرر، حسب عطوان.
أسباب الجريمة واحدة وقائمة
وبغض النظر عن أن هذه الجريمة، عمل فردي معزول أم فعل جماعي منظم، إلا أن أسبابها واحدة، ولا تزال هذه الأسباب قائمة. إذ تابع المصدر الإماراتي الرسمي،«الموقوفة قامت في الآونة الأخيرة بالتردد على بعض المواقع الإلكترونية الإرهابية المنتشرة على الشبكة العنكبوتية والتي أدت بدورها لاكتساب الموقوفة للفكر الإرهابي ودراسة آلية صنع القنابل المتفجرة».
الكاتب العربي مأمون فندي كتب على الشرق الأوسط (8|12) مقالا بعنوان" بيج براذر: ابوظبي" قال فيه، "الجريمة التي حدثت في أبوظبي لن تكون المحاولة الأخيرة في جرائم الإرهاب في الإمارات، لذلك يجب فهمها في إطارها الأوسع"، على حد تعبيره.. فتردد المتهمة على "المواقع الإرهابية"، قابل للتفسير في ظل الاحتقان المتصاعد الذي تشهده المنطقة وصور القتلى والأشلاء التي تصيب العرب والمسلمين في كل مكان، وما دامت هذه الصورة مستمرة والدول الأطراف مستمرة في أدوارها هنا وهناك، فإن استمرار جرائم كهذه النوعية، قد تتكرر، رغم تمنيات الكاتب الإماراتي أحمد أميري في الاتحاد بمقال له يوم (8|12) بعنوان "جريمة الريم.. الأولى والأخيرة"، دون أن يتطرق لمعالجة الأسباب الحقيقية للجريمة، مكتفيا بانتقاد ردة فعل الشعب الإماراتي التي وصفها، "للأسف الشديد، يمكن القول إن التعاطي الشعبي مع الحدث لم يكن على قدر المصيبة، ففي موقع «تويتر» الذي يعد بحق برلماناً مفتوحاً".
التوظيف السياسي للجريمة
الغالبية العظمى من ردود الفعل الرسمية والإعلامية الإماراتية على جريمة الريم، كانت تتجه لتوظيف الجريمة سياسيا وإخضاعها لمبدأ "الانتهازية الأمنية"، عندما خلطت المشهد بصورة أكثر تعقيدا، وكأن خلط المشهد على ذلك النحو كان مقصودا.
ولقد لوحظ أن أغلب الذين وظفوا الجريمة سياسيا هم من كُتاب المقالات السعوديين، وذلك لتحريض دولة الإمارات على الاستمرار بنهجها الحالي في تعاطيها مع مشكلات المنطقة وتدخلها في ليبيا ومصر واليمن وغيرها. السعودي عبد الله بن بجاد العتيبي كتب مقالا بالاتحاد (8|12)، قال فيه مشيدا بتعامل الإمارات مع الجريمة،"أعلنت الإمارات موقفها بصراحةٍ ووضوحٍ من الحركات الإرهابية على مستوى العالم وشاركت العالم في العديد من المواقع الساخنة في محاربة الإرهاب خارجياً ضمن واجباتها كعضوٍ فاعلٍ في المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن"، على حد زعمه.
وتابع بن بجاد مستدلا على الجهود التي تبذلها الإمارات في مكافحة الإسلام الوسطي، قائلا: الإمارات حاربت الإخوان إقليمياً وتحالفت مع المملكة العربية السعودية ومصر في تجريم الجماعة تشريعياً ووصفها بالإرهابية، وأعقبت ذلك كله بإخراج قائمةٍ دوليةٍ للجماعات والهيئات والحركات والأحزاب الإرهابية في العالم كله.
الانتهازية الأمنية
الكاتب السعودي مشاري الذايدي، كتب في الشرق الأوسط (8|12) مقالا بعنوان"قاتلوهم"، حاول الربط بين الحوادث الأمنية المتكررة في السعودية وبين حادثة أمنية أثبتت مصادر التحقيقات الإماراتية، بأنها فردية. الذايدي، يحاول الاستفادة من هذه الحادثة لدفع دولة الإمارات لاتخاذ المزيد من المواقف الأمنية "المتطرفة" في الداخل كما كان لها مواقف متشددة في التعامل مع دول الربيع العربي. فبعد أن قدم الذايدي مقاربة بين "جريمة الريم" وبين الجرائم المرتكبة بالسعودية، و إحالة أوراق بعض قيادات من الإخوان المسلمين في مصر إلى المفتي، تبرز انتهازية أمنية ستؤدي إلى إغراق الوجه المدني لدولة الإمارات بإجراءات عسكرية وأمنية تفاقم المشكلة ولن تحلها. يقول الذايدي، "يجب التيقن برسوخ، أننا في «حالة حرب» حقيقية مع شبكات الإرهاب، ومحاضنهم الفكرية والسياسية والاجتماعية. وكم هو مثير للانتباه أن دولة الإمارات يضربها الإرهاب القاعدي الداعشي، لأول مرة، في اللحظة التي قطعت فيها الإمارات شعرة معاوية مع جماعة الإخوان، وصنفت الجماعة، بكل ألوانها، خارجة على القانون، وفي ذلك كفاية لمن ما زال أعشى البصر والبصيرة"، على حد تعبيره.
ويتابع محرضا، "هذه الجماعات، من مسلحها إلى مسيسها، تغرف من الماء الأسود نفسه، تقتات من إناء واحد. الفرق في الأسلوب لا الجوهر، التوقيت لا الهدف. هي حرب، دائمة، بلا توقف، الأمن جانب منها، لا كلها".
الكرة في ملعب السلطات الإماراتية
برغم ما قيل وكل ما قد يقال في هذه الجريمة، إلا أن الوقوف مع الذات والمراجعة للمواقف والسياسات التي تنتهجها الدولة باتت ضرورية. فسواء اعترفت الأجهزة الإماراتية الرسمية أو لم تعترف، فإن الدور الإماراتي الذي تلعبه اليوم في الساحة العربية لا يرضي كثيرا من الأطراف في تلك الدول، وقد صدرت تهديدات من بعض هذه الأطراف ضد الإمارات، لذلك، على الإمارات ألا تنزلق أكثر نحو تحالفات أمنية وعسكرية مع مصر ومع السعودية، فالحالة الإماراتية مختلفة تماما عن هذه الدول، ولا ناقة ولا جمل للإمارات في هذه الصراعات، كما أنها ليست مستهدفة من أحد ما دامت تقف في الحياد، كما كانت سياسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان طوال العقود الثلاث الماضية.